قراءة مغايرة لشعر البردوني

هشام علي

 - { في كتابه «بردونيات : النص والمنهج» يقدم الأديب الناقد عبدالله علوان قراءة نقدية ودراسات تحليلية لعدد من قصائد شاعر اليمن عبدالله البردوني قام باختيارها ودراستها وأعطا

{ في كتابه «بردونيات : النص والمنهج» يقدم الأديب الناقد عبدالله علوان قراءة نقدية ودراسات تحليلية لعدد من قصائد شاعر اليمن عبدالله البردوني قام باختيارها ودراستها وأعطاها هذا الاسم «بردونيات» وهو اسم يجعل القصائد المختارة لصيقة باسم الشاعر وأنها الأكثر تعبيرا عن شعره وفكره.
رغم أن الكاتب يقدم تفسيرا مختلفا لهذا الاسم «بردونيات اسم نكرة لا يفيد الشمول ولا يفيد العمومية كما يقول علماء البلاغة وإنما يفيد التبعيض والنسبة» لكن هذه النسبة تشمل كل قصائد البردوني ولا تكفي لتبرير الاختيار لذا يضيف الأستاذ عبدالله علواني إلى ما سبق مبررا أن هذا الاختيار «هدفه التحديد والبيان» تحديد النص وبيان مقوماته الفكرية.
وهو يقتفي في قراءته لقصائد البردوني منهج البردوني نفسه «فما هو نهج البردوني¿ هل هو واقعي يأخذ بالمادية الجدلية والتاريخية¿ أم هو رومانسي يأخذ بالمثالية الذاتية¿ أم هو كلاسيكي يأخذ بالمثالية الموضوعية¿ وهل هو أشعري أم معتزلي أم هو شاعر شيعي¿».
الحقيقة أنه كل ذلك وفوق ذلك كل هذه المذاهب تمتزج في ثقافة البردوني وتكون الواقعية هي النهج الرحب لأشعاره وأفكاره وهذا المنهج الواقعي هو الذي جعل البردوني شمسا تشرق كل يوم وإن كره الكافرون إنه واقعية بلا ضفاف.
ومن الواضح أن الكاتب يقصد الفلسفة أو المدرسة الأدبية التي ينتمي إليها البردوني وليس المنهج الذي يتبعه فالشعر لا يتبع منهجا معينا وربما أنه لا ينحصر في مدرسة أو فلسفة معينة يختارها الشاعر أو المبدع وقد رأينا أن أعمالا روائية – مثلا – جاءت مختلفة عن فلسفة مؤلفيها ومواقفهم السياسية.
وقبل أن ندخل في تفاصيل هذه القراءات النقدية لشعر البردوني نتوقف قليلا عند الأستاذ الناقد عبدالله علوان الذي يتحد مع البردوني في بعض الصفات أبرزها الجمع بين الثقافتين التقليدية والحديثة وسعة الاطلاع والمعرفة بالإضافة إلى طريقة التحليل التي تتميز بالتشابك والتداخل وكثرة الاستطراد.
وعبدالله علوان كاتب ومناضل وطني ارتبط الأدب عنده بالمواقف والمسؤولية تجاه الوطن ومتغيراته وقد اتخذ في كتابته نهجا يساريا ماركسيا وهو النهج ذاته الذي اتخذه في السياسة ويمكن أن نلاحظ آثار هذا الاختيار الفكري والسياسي في هذا الكتاب رغم ما يبديه الكاتب من تراجع ومراجعة لذلك الاختيار الماركسي الذي كان أيديولوجيته الحاكمة على كثير من الأعمال الأدبية منذ السبعينيات في القرن الماضي.
ولعل مشكلة عبدالله علوان في هذا الكتاب تكمن في هذا التحول الفكري وهذه المراجعة النقدية لمساره السياسي والفكري وليست المشكلة في التحول ذاته فمن حق كل مثقف أن يتحول وأن يعيد مراجعة أفكاره وترتيبها وقد تحدث البردوني نفسه عن تحولات المثقفين وأشار إلى أن المثقف الحقيقي هو الذي يتغير بالثقافة ويغير بها كما أن تناقض المفكر مع نفسه ليس أمرا سالبا بل هو تعبير عن علاقة جدلية بين الفكر والواقع وهو تعبير كذلك عن مراجعة نقدية يقوم بها المثقف لأفكاره ومساره وتغدو هذه التحولات ضرورة حين تكون علاقة المثقف بمجتمعه ومتغيراته هي الركن الأساسي في التكوين الفكري للمثقف وفي تحديد دوره التاريخي في المجتمع.
وقد كان البردوني نموذجا لهذا المثقف الذي ارتبط تطوره الفكري والشعري بمسار المجتمع ومتغيراته فرسم خطا لتحولاته الشعرية من الكلاسية إلى الحداثة عبورا بالرومانسية والواقعية موازيا للتغيرات التاريخية التي شهدتها اليمن خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
ولم يكن الانتقال بين المدارس والنظريات نوعا من التطور المنهجي المقصود بل كان تعبيرا عن اندماج الفكر والإبداع بتحولات اليمن فكل تحول سياسي كان يحمل خطابا سياسيا وفلسفة وفكرا وهي كلها نظريات لم تعلن أو لم يتحقق حضورها الفكري فالحرب والصراع السياسي كانا غالبين على المشهد التاريخي في تحولات اليمن من الملكية إلى الجمهورية بيد أن البردوني المفكر المبصر كان واعيا لذلك الخطاب الفكري الغائب أو الضائع في زحمة «قوقعة السلاح» وهدير الشعارات الهائجة ونجد تجليات ذلك الوعي العميق واضحة في كتاباته الشعرية والنثرية.
نعود إلى تحولات ابن علوان وهي شبيهة إلى حد كبير بتحولات البردوني لكن عبدالله علوان ارتبط فكره بالتزام حزبي وقيود أيديولوجية وكان في عمله السياسي والثقافي مخلصا لهذا الالتزام الذي لم يتحرر منه حتى في

قد يعجبك ايضا