القراءة النقدية للنص الأدبي

علي أحمد عبده قاسم

من الكتب والمؤلفات التي أستفيد منها وأخرج منها بفائدة ومعرفة جديدة تكاد تكون قليلة لأن كتب النقد وكتابات النقاد خاصة في النظريات تعتبر تكرارا وربما فيها شيء من الزيادة والتحوير عما سبقها من كتابات إلا أن الدكتور عبدالله الغذامي الناقد والمفكر السعودي تعتبر كتاباته من الكتابات التي تربط الماضي بالحاضر والتراث بالمعاصر والحديث وهي كتابات مثيرة للعقل وجدلية وإنه يأتي بجديد وجدلي فهو حداثي مستوعب للتراث وكنت أقرأ كتابه “المشاكلة والاختلاف” الذي يتحدث فيه عن النقد القديم ويربطه بالجديد خاصة عمودية الشعر والنصوصية.
وإذا كنت في هذا الموضوع سأتحدث عن الكتاب وأعرف القارئ ببعض المصطلحات فإن الكتاب قد تحدث عن الطريقة المثلى لتلقي وقراءة النص الأدبي. المشاكلة: هي “الجمع بين الشيء وشكله أو اللفظ وشكله” وأتى الكتاب بمثال شعري لامرئ القياس:
كأني لم أركب جوادا ولم أقل
لخيلي كري كرة بعد إجفالö
ولم أسبأ الزق الروي للذة
ولم أتبطن كاعبا ذات خلخالö

فقال: “إن الشاعر جمع بين الشيء وشكله فذكر الجواد والكر في بيت وذكر النساء والخمر في بيت” وأردف إن هذه الملاحظة حدثت في مجلس سيف الدولة حيث روى ابن رشيق إن هذه الملاحظة لم تجد قبولا في نفس الدولة. واعترض عليها أحد الحضور بالقول: “لا كرامة لهذا القول فالله أصدق منك حيث قال: {إöن لك ألا تجوع فöيها ولا تعúرى وأنك لا تظúمأ فöيها ولا تضúحى} فأتى بالجوع مع العرى ولم يأتö به مع الظمأ” والجمع بين الشيء وشكله رأي ابن رشيق.
حيث استند على رأي ذوقي سريع والآخر استند على رأي علمي نقدي عميق وهو بذلك يوافق عبدالقاهر الجرجاني الذي يقول: “إن مجموع الأمرين في التشبيه يأتي من شدة الائتلاف مع شدة الاختلاف” وبذلك يهدف الجرجاني إلى معرفة أقاصي غايات الدلالة وبذلك تكون القراءة النقدية العميقة ليس البحث عن المعنى في الجمع بين الشيء وشكله ولكن القراءة الحقيقية والعميقة إنها تقدم المشاكلة بين الشيئين اللذين هما غير متشاكلين ليرى أن الجمع بين المتنافرات أقرب إلى الشاعرية من الجمع بين الأشياء المشتركة في الجنس المتفقة في النوع. ومن ذلك فإن مسؤولية العقل القرائي الكشف عن أبعاد النص وجمالياته بالتأمل وإعمال الفكر لذلك كان مبدأ رشيق قائم “منطق المعنى” بالجمع بين الشيء وشكله بينما الجرجاني يقوم مبدأه على المخالفة والجمع بين المتنافرات لذلك كان الجرجاني موجها حديثه ونظريته للقارئ وليس لمبدعه وهي ما يسمى باللغة الداخلية أو الشعور أو التجربة وبذلك حاصر عبدالقاهر الجرجاني المعنى وانطلق للفكر والتربية والعمق الدلالي وليس مجرد رأي ذوقي طارئ في المعنى والائتلاف لذلك ركز الجرجاني على دلالة الجملة والبنية اللغوية لأن التأويل بدلالته عنده على المجاز مطلقا بينما الدلالة اللغوية خص التشبيه والاستعارة لأن كل استعارة مجاز وليس كل مجاز استعارة فما يدرك من طريق اللغة يأتي من تحولات المفردة وهو مجاز الكلمة وما يدرك عن طريق المعنى والعقل هو مجاز الجملة حيث يقول: “إن الأوصاف اللاحقة للجمل لا يصح ردها إلى اللغة لأن التأليف هو إسناد” وبذلك يكون التأليف “البنية” ليس مجرد شكل وعلاقة ترتيب ولكن البنية إضافة وتقوم على التساند والتكامل وهما شيئان متماسكان وبذلك تنحرف الجملة من الظاهر إلى الغياب وبذلك ركز الجرجاني على ثلاث أسس للقراءة الجمالية والنقدية وهذا حسب رأي الغذامي:
التركيب والتأليف مقابل المفردة وصار مجموع الكلام هو مجال المقارنة والتشريح.
باطن الدلالة يقابل ظاهرها الذي هو المعنى وما يتلو ذلك “الغياب”.
التأثير وهو الأثر الجمالي الناتج عن التأليف والتركيب.
الإشارة وهي في مجموع الكلام والجمل بحيث يكون المعنى الأول إشارة للمعنى الثاني.
وإذا كانت عمودية الشعر الذي تجادل فيها النقاد الغذامي فإنها العمودية حيث قال المرزوقي عنها “مشاكلة اللفظ للمعنى وشدة اقتصارهما للقافية حتى لا منافرة بينهما” وبذلك يقول الغذامي: “إن المشاكلة تستوجب صحة المعنى استقامة اللفظ الإصابة في الوصف ومناسبة المستعار منه للمستعار له”. بينما الجرجاني يأتي بالتصور النصوصي القائم المتحرر من سلطة المدلول القاطع إلى تعدد المعاني حيث يقول: “إنك لتجد اللفظة الواحدة قد اكتسبت… فوائد تراها مكررة في مواضع ولها في كل واحد من تلك المواضع شأن مفرد وشرف منفرد وفضيلة مرموقة وخلابة ومن خصائصها أنها تذكر بها وهي عنوان مناقبها تعطيك الكثير من المعاني باليسير من اللفظ حتى تخرج من الصدفة الواحدة عدة من الدرر” وبذلك تقوم العمودية في الشعر على المشاكلة في حين تقوم المخالفة على الجمع بين المتنافرات للوصول إلى معنى المعنى وهذه نظرية الجرجاني لذلك يأتي الغذامي بالبيت الشهير.
كأننا والما

قد يعجبك ايضا