إدوارد سعيد.. التلقي العربي للاستشراق الحلقة الخامسة
هشام علي

هشام علي –
ظهر كتاب إدوارد سعيد “الاستشراق” في 1978م باللغة الانجليزية وقد حظي بشهرة كبيرة بعد صدوره مباشرة سواء من المعارضين له وهم كثيرون في أوساط المستشرقين وعلماء الأنثربولوجيا الغربيين أو المؤيدين للكتاب وقد كانوا قليلين فقد انحصروا في عدد من الباحثين القادمين من العالم الثالث للدراسة في أوروبا وأمريكا. وقد انجذبوا لمشروع الخطاب الثقافي المختلف الذي عبر عنه إدوارد سعيد في نقده للاستشراق وعلاقة الربط التي أقامها بين مؤسسة الاستشراق والسيطرة الاستعمارية الأوروبية على العالم غير الأوروبي التي ظهرت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وهناك أيضا عدد من المثقفين الغربيين اتفقوا مع نقد الاستشراق الذي جاء به إدوارد سعيد. كان هؤلاء من المثقفين الذين ضاقوا ذرعا بالمركزية الغربية والهيمنة والميتافيزيقيا الغربية.
وقد صدرت ترجمات عديدة لكتاب “الاستشراق” في لغات مختلفة كما ظهرت ردود ومناقشات مختلفة للكتاب فتحت زوايا شتى لم تكن في حسبان إدوارد سعيد وقت تأليف كتاب “الاستشراق” على نحو ما يقول: “ونتيجة لذلك كله أصبح الاستشراق عدة كتب مختلفة بصورة تكاد تنطبق عليها حالة” بورخيس الكاتب الأرجنتيني الذائع”. وقد أتاح هذا الاستقبال الواسع للكتاب والقراءات المتعددة لمحتوياته الفكرية المتميزة أتاح للمؤلف فرصة للتفكير وإعادة التأمل في ما أثاره من قضايا بحيث غدا الاستشراق “كتابا جماعيا واعتقد إنه يتجاوزني شخصيا باعتباري مؤلفه إلى درجة أكبر مما توقعته عندما كتبته”.
هكذا يقدم إدوارد سعيد رؤية جديدة لعلاقة المؤلف والنص والقارئ.
لقد أكتسب الاستشراق إضافات متنوعة بقدر ما أثار من نقاط اختلاف وأفكار مغايرة. وبذلك أصبح عدة كتب على حد تعبير بورخيس: “إن كل إبداع هو إعادة إبداع وكل نص هو نص أصلي إن الأدب يتولد من الأدب فالمؤلف ليس واحدا بل كثر وكذلك هو المترجم”.
كيف كان استقبال المثقفين العرب لكتاب “الاستشراق”¿ وهل كان هذا الكتاب المتعدد أو النص المتوالد موضوعا للنقاش أو الإضافة أو ميدانا للاختلاف والتحاور في الثقافة العربية خاصة أن المسألة الرئيسية في الكتاب تتعلق بالثقافة العربية والعرب والإسلام بصورة الشرق العربي داخل خطاب الاستشراق.
تمت ترجمة “الاستشراق” إلى اللغة العربية في 1981م وهي “ترجمة عربية مرموقة ولا تزال خلافية بقلم الشاعر السوري الموهوب والناقد كمال أبو ديب” حسب تعبير ادوارد سعيد نفسه. الذي أشاد بالترجمة وقدرتها المتميزة على نقل النص إلى اللغة العربية بأسلوب جميل. إلا أن إصرار المترجم كمال أبو ديب على الارتقاء بالنص العربي إلى مستوى رفيع يوازي أسلوب الكاتب الذي يولي عناية خاصة بالأسلوب وبلاغته هو ما جعل النص العربي معقدا وصعبا على الفهم. وقد أصبحت هذه الترجمة العربية مسئولة عن مشكلات التلقي وعدم الاستجابة للكتاب عند ظهوره.
وتعبöر الناقدة المصرية رضوى عاشور عن هذه العلاقة بين الترجمة وإساءة الفهم فتقول: إن الاستشراق كتاب على أهميته “كثيرا ما يساء فهمه ليس لصعوبته فهو كتاب ممتع وسلس نسبيا ولكن إساءة الفهم راجعة لتداول فكرته دون قراءته وربما أسهم في ذلك أيضا أن الترجمة العربية الوحيدة المتوفرة للكتاب متعثرة غامضة يشوبها العديد من المشاكل لعل أبرزها تحويل كتاب سلس وممتع إلى نص صعب ومثقل باصطلاحات غير مفهومة(1)”.
ويتحدث د. صبري حافظ بشكل أشد قسوة في نقده للترجمة العربية. فبعد انطلاقه من ملاحظة رضوى عاشور الهادئة يضيف قائلا: “ذلك بأنه علاوة على طمس الطروحات اللامعة التي يحتويها الكتاب خلقت الترجمة تأثيرا سلبيا هائلا في ميراث إدوارد سعيد وإدراك – أو سوء إدراك – إنجازه في صفوف المثقفين العرب. فأسلوب المترجم الإنشائي الحافل باللغو ومصطلحاته الدعيöة ومفرداته المرتبكة أدرجت النص المترجم في باب الكلام العقيم المعوج الذي تتسم به شلة أدونيس وهي جماعة تشبثت بإدوارد فترة من الزمن وعقدت الطريقة التي كانت الدوائر الثقافية العربية تنظر بها إليه لعدة أعوام (2)”.
ويبدو تحامل صبري حافظ على المترجم واضحا وكذلك على تيار الحداثة الذي مثله أدونيس في الثقافة العربية وهو يعتبر أن ارتباط إدوارد سعيد بهذا التيار كان مسئولا عن سوء استقباله في الثقافة العربية ولا يقدم حافظ أي دليل على هذا الحكم بل أنه يغفل أن فكر إدوارد سعيد ينتمي إلى الحداثة أو أنه يعتبر أحد رموز الحداثة الفكرية وما بعد الحداثة في داخل الغرب نفسه ولذلك لا يمكن إلقاء اللوم على الترجمة العربية للاستشراق في إساءة استقبال فكر إدوارد سعيد في الثقافة العربية إذ أن الموضوع ينبغي أن يدرس في سياق أعمق وهو حظوظ فكر الحداثة في الثقافة العربية بشكل عام ومدى الإمكانية لاستيعابها كفلسفة تقوم عل