رمضان بين الرؤية التقليدية والاحتساب الفلكي
د. يحيى بن يحيى المتوكل
د. يحيى بن يحيى المتوكل –
ونحن نقترب من أواخر الشهر الكريم ونتزود بجرعاته الإيمانية من خلال التقرب إلى المولى عز وجل عن طريق العبادات المختلفة نتوسل إلى العزيز القدير أن لا يغادره عنا إلا وقد غفر لنا. وهنا أتذكر الإشكالية المعتادة حول ولادة الهلال سواء هلال رمضان أم هلال شوال الذي يؤذن بقدوم العيد. والحقيقة أن هذا الموقف يثير لدى الكثير العديد من التساؤلات المرتبطة بهذا الخلاف الذي يخلق الفرقة بين الأمة الإسلامية حول مسألة رغم محوريتها في حياتنا إلا أن الاتفاق بشأنها جد بسيط ولا يستدعي التوترات التي تحدث جراء اختلاف ثبوت الرؤية بين الأقطار الإسلامية أو التعلل بها. فالموضوع والتعقيدات التي حيكت حولها أبعد ما تكون عن جوهر ومضمون الحديث النبوي على صاحبه وآله أفضل الصلوات والتسليم “صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته” بل أبعد ما يكون عن التشبث بالتفسير اللفظي للرؤية بالعين المجردة في زمن استطاع العلم أن يغزو الكون ويسبر غور مجراته.
وإذا كنت سأسعى لتناول هذا الموضوع بعيدا عن الخلافات الفقهية فإن ما يستدعي هذا التناول هو الحاجة إلى إعمال العقل والمنطق حول هذه المسألة والتي تشمل جوانب عديدة لا تعتبر السياسة بمنأى عنها مما استدعى إطلاق تسمية الهلال السياسي عليها منذ عقود عديدة. فكيف لنا كأمة مسلمة أن نقبل ونتغاضى عن سنين طويلة كانت دولة كمصر على سبيل المثال تبدأ رمضان بخلاف جارتها ليبيا أو السودان رغم علمنا بالنزعة المخالفة التي كان يتبناها هدام ليبيا حين احتمل إعلان رمضانه خلاف جيرانه في الشرق مصر وفي الغرب تونس والجزائر. وكذلك كيف يمكن أن يكون ثبوت هلال رمضان في اليمن تبعا لحال العلاقات مع جارتها السعودية¿ بل كيف يمكن أن تثبت رؤية الهلال لإحدى الطائفتين السنية أو الشيعية في دول كالعراق أو لبنان بينما لا تثبت لدى الطائفة الأخرى في البلد نفسه وربما الأعجب أن تتفق رؤية هلال أول رمضان أو نهايته بين دولة في أقصى شرق العالم الإسلامي كأندونيسيا وأخرى في أقصى غربه في المغرب في حين لا تثبت في أية دولة بينهما¿ أليس ذلك مناقض للعلم والعقل الذي كرم الله به بني الإنسان¿ وأزيد في الموضوع أن كل ذلك يتم وقد أقرت قمة المؤتمر الإسلامي في ثمانينيات القرن الماضي التي كانت فترة وفاق نسبي أقرت أن ثبوت رؤية الهلال في أية دولة إسلامية يعد ثبوتا لبقية الدول. والواقع أن ذلك القرار لا يعتبر غريبا أو مجافيا للحقيقة فلو أزلنا الحدود السياسية بين مصر وليبيا وسوريا لتصبح دولة واحدة كما دعا إلى ذلك قادتها في سبعينيات القرن الماضي لكان ثبوت الرؤية في أي من أرجائها كافيا لإعلان دخول رمضان أو العيد في كل مناطقه ودون استثناء. ولو توسعنا قليلا وافترضنا استمرار سيطرة الدولة العثمانية على معظم المنطقة العربية فإن إعلان بداية الشهر في عاصمة الدولة العثمانية سيكون لا محالة إقرارا به في سائر مناطقها وولاياتها. وبمناسبة ذكر الدولة العثمانية فإن الجمهورية التركية تعتمد الاحتساب الفلكي في ولادة الهلال لتحديد دخول رمضان والعيد وبالتالي فإن الأتراك لا يشغلون أنفسهم في متاهات الرؤية وخلافاتها وهو مخرج جدير بالاهتمام إذ أن دخول الشهر الجديد يتحقق بولادة الهلال سواء ثبتت تلك الولادة بالعين المجردة أم بالمراصد المتطورة التي تمكنا من رؤية أقصى الكواكب في مجرتنا أو بالاحتساب الفلكي الدقيق الذييحددها بجزء من الثانية.
فإذا كانت الرؤية في زمن المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله تثبت بالعين المجردة لتعذر الوسائل الأخرى فهل يعني ذلك أن نتمسك بتلك الطريقة رغم ما يشوبها من تعقيدات طبيعية وسياسية في الوقت الذي تطورت وتعددت وسائل وأدوات إثبات ولادة الهلال وخاصة الاحتساب الفلكي الذي لا يقل يقينا عن شاهد العين المجردة إن لم نقل أشد تأكيدا خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن دوافع بعض شهود الأهلة مالية نتيجة المكافآت التي ترصد لهم مع العلم أن العالم الفلكي أو مجموعة منهم يستطيعون أن يشهدوا بولادة الهلال في الوقت المعلوم أمام المحكمة الشرعية إن لزم الأمر.
خلاصة الأمر والتساؤل الذي أطرحه على أصحاب العقول هو: أيمكن أن تستمر أكثر من 52 دولة وأكثر من مليار مسلم في دوامة تحديد بداية الشهر الهجري وليكن الفرق في رمضاننا وأعيادنا يوما واحدا وأحيانا يومين وما يستتبعه ذلك من فقدان الشعور الموحد بالشهر الكريم وفرحة العيد وكذلك الحساسيات التي تخلقها عند اختلاف ذلك اليوم بين الطوائف الإسلامية داخل البلد الواحد وهل