هل من الممكن استعباد المثقف ¿!

خالد القزحي


خالد القزحي –
تنطوي مشكلة تسييس الثقافة تحت رغبة السلطة أيا كان اتجاهها في أن تكون ثقافة المجتمع تابعة لسيادة السلطة ولأيدولوجيات حكامها واستراتيجياتهم التي يتمكنون من خلالها من السيطرة غير مباشرة على عقلية المجتمع. هنا يقف المثقف حائرا في هذه الحالة كونه في مرمى أن يكون إحدى تلك الأدوات المستخدمة بيد السلطة, ليس بسبب ضعفه ولكن بسبب وجود عدد من المثقفين الذين يتفق تفكيرهم و ميولهم مع إرادة السلطة. لذلك تستطيع السلطة الحاكمة نشر مقتضياتها رغم وجود من قد يملك فكرا مخالفا. من تستخدمهم السلطة يكونون غالبا ذوي أسماء مرموقة اجتماعيا وثقافيا بالتالي يصبح الصöدام الثقافي وارد مع كل عملية تغيير مؤدية بأي مجتمع إلى مرحلة جديدة.
حرية الثقافة والفكر قد تكون مجرد نظرية غير قابلة للتطبيق لعدم ملاءمة بعض الثقافات لسياسة السلطة. مثلا وجود أقلية دينية أو طائفية أو سياسية في دولة ما قد لا يؤهلها في أن تكون عناصر في السلطة مما ينتج أن يكون النظام السائد تابعا لدين أو مذهب وسياسة معينة باحتكار ما دامت تتبع الأغلبية الكاسحة سواء كان النظام ديمقراطيا أو بيروقراطيا أو ديكتاتوريا. عندها لا يستطيع مثقفو تلك الأقلية أن يفرضوا رأيهم على نظام السلطة السائد طالما أن سياسة السلطة طاغية بسبب أيدولوجيات الرجالات التي بأيديهم اتخاذ القرار. ولا يمكن بالطبع الحكم على هذا بالسلبية أو الإيجابية طالما يوجد هناك قانون يسري على كافة الشعب قائم على أسس متفق عليها نوعا ما خاصة إن تم تطبيقه على الجميع.
المشكلة أن دور المثقف سيكون خاملا لدرجة كبيرة في عملية تدوير البلد. الحزبية المقيتة ستلجأ دائما إلى كبار زعماء الحزب الحاكم ليتزعموا البلد أيضا مما يجعل المثقف جامدا وراء الكلمات التي يكتبها والتي غالبا ما تكون مجرد شعارات ونظريات يرمز لها على أنها مثالية تنتمي لخيال الكتاب مهما حاول المثقف ربطها بالواقع من حيث التقريب والتحاور مع مستقبل البلد.
ونحن نتحدث عن مجتمعاتنا العربية وخاصة الواقع اليمني على وجه الخصوص يمكن القول أن مستوى القراءة متدن لدرجة لا يمكن التأمل إلى أن تلك الكتابات قد يلقى لها صدى في فكر الساسة المنتبهين أكثر إلى العلاقات الدبلوماسية محليا وخارجيا والأمور السياسية والاقتصادية تاركين الجوانب الثقافية والاجتماعية والأدبية وغيرها الكثير كجوانب ثانوية لا يتم الالتفات اليها إلا نادرا جدا مقارنة ببقية الجوانب. ولو فكرنا أنه فعلا يتم الاهتمام ببعض المثقفين, سنضيف يتم الاهتمام بهم دون الكثير من أضعاف أعدادهم الذين قد يحملون أفكارا تنموية قد توصل البلد إلى وضع أفضل. هذا قريب نوعا ما من فكرة الحكومة التكنوقراطية التي تعتمد على الكفاءات والخبرات والتخصصات لإدارة مؤسسات الدولة. لكن المشكلة كما ذكرنا سابقا في الحزبية والطائفية التي كثيرا ما تحاول أن تهمش قدرات بقية المؤهلين وذوي الامتيازات العلمية من بقية الأحزاب والطوائف ضاربين بعرض الحائط كل مسمى للعلم والقدرة لمجرد أسباب واهية تضر بالبلد أكثر من نفعها هذا بالطبع إن لم تتم ملاحقتهم ومحاربتهم لأنهم في نظر السلطة حجر عثرة أمام استمرار بقاء نفس الحزب أو الجماعة على رأس السلطة في فترات مستقبلية.
لهذا السبب دون غيره سوف يسعى بعض وليس كل المثقفين لمحاولة التقرب للسلطة وإن تم التخلي عن بعض اتجاهاتهم السياسية بالذات الطائفية عند غير المتعصبين أو غير المتأكدين من انتماءاتهم الطائفية لهذا تراهم يتقلبون مع كل تيار وبهذا تحدث عملية تسييس المثقف لما تقتضيه مصلحة السلطة والقائمين عليها. كذلك سيتم استخدام هكذا شخصيات كهجوم ضد كل المعارضين قولا بأن هؤلاء عرفوا الحقيقة فاتبعوها وفي ذلك تشويه لبقية الفرق السياسية والطائفية. رغم كل هذا سيكون هناك عقليات إبداعية قادرة وذو كفاءة مستبعدة عن كل أماكن صنع القرار ليس فقط للأسباب التي تم ذكرها سياسيا وطائفيا وإنما لأن المثقف الحق نادرا ما يطمح لمنصب لأنه اختار القلم صديقا والكتاب رفيقا وكل أمله هو أن يستفيد من ويفند ما يقرأ ويضيف إليه ما يستطيع مهما كانت إمكاناته المادية والوظيفية. السياسة نظريا جزء من الثقافة ولكن في بلداننا العربية بالذات أصبحت الثقافة والمثقف عناصر بعيدة عن السياسة وعقلياتهم مستبعدة عند صناعة القرار لأن السياسة الدبلوماسية والدينية أصبحت غالبة على كل الجوانب الأخرى مما يؤدي إلى اضمحلال مزايا الهوية وعدم الاهتمام بالثقافة ككل.
فقط لأن السياسة فرضت ذلك!

قد يعجبك ايضا