اختزال للقيم العصرية وتمسك بحب الوطن
علي أحمد عبده قاسم

علي أحمد عبده قاسم –
,انشغال بالوطن ورفض للخيانة
كنت أطالع في ديوان الشاعر عبدالرحمن مراد الذي يحمل عنوان “قراءة جديدة في سفر الأقيال” والذي لفت انتباهي فيه مقدمة الشاعر الذي يقول فيها: “إنني أكره سيف بن ذي يزن وعمرو بن عامر بن مزيقيا” فإذا كراهية عمرو بن مزيقيا لا يختلف عليها اثنان باعتباره رمز الخيانة والفرار من الوطن ومن المسؤولية فهو الذي رسم حيلة مع ابنه بحيث يقوم الولد بلطم الأب أمام ملأه ومن ثم يقسم الأب بألا يقيم بأرض صفع ولطم فيها الابن أباه وتخلى بذلك عن الأرض والوطن والناس قبيل علمه بخراب سد مأرب أو تحول الأرض من الخصوبة إلى الجدب فكان رمز الخيانة والانهزام والتنصل عن المسؤولية فهو في رمم الذاكرة ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل سيف بن يزن مساو ومواز لعمرو بن مزيقيا في الخيانة¿ فالذاكرة الجمعية التاريخية محتفظة لسيف بن ذي يزن بالبطل القومي التاريخي وإن لجأ للآخر لتحرير الأرض والعرض من الأحباش.
وربما تأتي كراهية الشاعر لابن ذي يزن أنه أحل بديلا الحبشي بمستعمر جديد هم الفرس وربما تأتي تلك الكراهية أنه قزم الوطن بالتنازل المذل في استجداء الآخر في التحرر ولم ينطلق من الشعب والجماهير والمقدرات وأيضا ربما أن الشاعر يدعو لقراءة التاريخ عموما بصورة جديدة خاصة أن البعض يصور الماضي للأجيال بالصورة البيضاء الخالية من العيوب ومن ثم يتغنى الجيل بالماضي فقط دون أن يكون ثمة انطلاق وتجدد وتلاف للقصور التاريخي.
وقال الشاعر في المقدمة للديوان (بالمقابل أنا أحب جدا “ذو رعين وذو نواس”) وبذلك يوضح مقصدية الحب والكراهية تأتي من خلال الدفاع عن حياض الوطن ورفض الآخر ورفض الاستغلال للناس من القيل.
وإذا ما تأمل القارئ في نصوص الديوان والتي منها:
” أيها القيل النائم
فوق أحضان البغايا
المتخم بأرق القات
وشهوة الكأس
يا من تغازله رشوة
الارتماء في أحضان التنين
صباح البين”.
فإذا كان اليمن تاريخيا يتكون حكامها من الأذواء والأقيال فالأذواء هم حكام والأقيال هم مشايخ القبائل الذين يساعدون الحاكم أو يتكون منهم مجلسه فإن النص صور “القيل” حديثا بذلك الفرد الذي تقمص عباءة اللذة والشهوة “أيها القيل” على سبيل السخرية والتذكير والتحفيز بالمكانة ثم يأتي بـ”النائم” ليصور ذلك الشرود وعدم الدراية بحركات الحياة واقتصرت حياته بالانكباب على الملذات “فوق أحضان البغايا” انحراف لا يتناسب مع اللقب والمكانة و”المتخم بأوراق القات” ليشير إلى التنصل عن كل ما يدور حوله “وشهوة الكأس المدار” و”يا من تغازله رشوة الارتماء في أحضان التنين”.. كل ما سبق إلى تخل عن المسؤولية والهرولة وراء الملذات والاستبداد.
ومما سبق يلحظ القارئ:
تناقض الفعل مع المكانة “أيها القيل” تشريف وانهيار واستبداد.
كثافة الفعل الذي يليق بالمكانة مما أفضى إلى الارتماء بأحضان التنين.
القيل رمز للأصالة تحول إلى العكس واستسلم للخيانة “الارتماء في أحضان التنين.
ليتأتى فراق التراب والأرض “صباح البين ملني جدا هذا التراب”
وبذلك يسجل النص الشعري علاقة متنافرة ما بين “القيل” والأرض والإنسان ويشكل مساءلة تاريخية “للقيل” باعتباره رمزا للاستبداد والأنانية.
“قمرك تحجبه سحابة داكنة
تأبى أن تمطر في غير حماك
لأن حماك ممنوع عن سراب”.
يحاول النص أن يخلق صورة من القتامة والسواد بوصف التألق والسمو والنبل خال منها المخاطب “القيل قمرك تحجبه سحابة داكنة” فثمة غضب في الروح والسماء تحول عن تألق القمر فأحال الحياة إلى قحط وجدب “سحابة تأبى أن تمطر في غير حماك” للأنانية والاستحواذ والقهر لذلك كان “الخير والخصوبة” منعدما من النص بوصف “سراب” رمز للناقة التي لا تعقل ويمنع خير المخاطب عن تلك الناقة وهي رمز العطاء وهذه رؤية يضع النص القارئ فيها وينعكس عليها الفعل الفردي المستحوذ والمستقطع والفعل الإنساني يبحث عن الخير والخصوبة والتغير والتحول ويضع المتلقي أمام العقلية الهمجية والعقلية التي ترغب بحماية ذاتها وربما قد تخلق الأزمات من لا شيء.
وإذا كان الديوان يمزج بين الاستلهام التراثي التاريخي من “سراب” التي أشعلت حرب البسوس إلى داحس والغبراء إلى خطاب القيل مما سيفضي إلى وجود قضية وهي قضية التحرر وقضية الاستبداد وعقلية التنوير والعقلية الظلامية المستبدة..
“ذكرني
فأنا كدت أنسى
أني من كنده أو مازن
قل إني رب أبلى
والرب الله يحمي الكعبة
قل إن داحس والغبراء
شيء عارض في تاريخي
ولكن لا تنسى أن
تذكر لي
أني مفتون بحب اللذة
هل شيئا يا قيل العصر¿
مما سبق يلحظ القارئ أن الخطاب يأت