محروسة يا أم الدنيا
علي العماري
علي العماري –
{ مصر أم الدنيا كلها لكنها أم المصريين أولا ومن صميم واجبهم الحفاظ عليها داخل حدقات عيونهم كما عودونا دائما فالمصريون معروفون بحبهم الكبير لوطنهم ولسان حالهم يقول : محروسة يا ضنايا يا حبة عيني يا ست الكل حتى أن أهلها الطيبين أحاطوا أشقاءهم العرب بالود والمحبة فآزروهم وانتصروا لقضاياهم العادلة على مر السنين وهذا ليس بغريب على أرض الكنانة حاضرة العروبة وقلبها النابض بالعنفوان الثوري المديد المتوقد فالوطنا لعربي الكبير كل لا يتجزأ ومصر رافعته الثورية وما يحدث فيها ينعكس سلبا أو إيجابا على كافة الأقطار العربية من المحيط إلى الخليج فما إن انتصرت ثورة 23 يوليو 1952م حتى امتدت شرارتها إلى دول عربية أخرى كالنار في الهشيم واشتعلت المنطقة العربية بالثورات الشعبية المناهضة للرجعية والاستعمار مستمدة قوتها وزخمها الثوري من مصر الثائرة.
ليتكرر المشهد ذاته مع اندلاع ثورة الربيع العربي انطلاقا من تونس فمصر ثم اليمن المهم أن مصر كانت حاضرة في قلب هذه الأحداث وستظل حجر الزاوية في ظل المعادلة السياسية المتغيرة إلى أن يتحقق حلم الأمة في الوحدة والحرية والاستقلال وكسر حواجز القطرية فطالما ظلت مصر على الدوام محط أنظار العرب وملاذا آمنا لثوارهم المنفيين من بلدانهم فإن ما يحدث اليوم على ضفتي النيل العظيم يشغل بال العرب ويعني كل مواطن عربي غيور على بلاده العربية ويتفاعل مع أحداثها خاصة عندما يتعلق الأمر بمصر التي عرفت بوحدة وتماسك الجبهة الداخلية وقوة نظامها السياسي والقضائي وانحياز جيشها القوي إلى جانب الشعب وبالوقوف على نفس المسافة حيال القوى السياسية المتصارعة.
وأمام الأحداث العاصفة التي تمر بها مصر ترتسم عشرات الأسئلة القلقة والحائرة على شفاه المتابعين للشأن المصري حول آفاق الحل وإمكانياته والخيارات المفتوحة على كل الاحتمالات حيث وهناك مخاوف حقيقية من أن ينزل البلد إلى حافة حرب أهلية عنيفة ودامية على غرار سيناريو الجزائر وأن يظل الجيش مهيمنا على السلطة لسنوات طويلة أو أن تجرى انتخابات مبكرة على عجل تعيد رموز نظام مبارك المنحل إلى الحكم وهو الخيار الذي سيتعارض مع خيار غالبية المصريين الحالمين بالتغيير.
إن ما يزيد من حالة القلق ويضاعف من مساحة الحيرة ودائرة الخوف هو الغموض الشديد المحيط بالحالة السياسية المضطربة على نحو غير مسبوق في تاريخ مصر الحديث الذي اتصف بالاستقرار السياسي الداخلي إلى حد كبير.
وبانسداد أفق الحل السياسي تزداد حدة التكهنات حول المصير المجهول الذي ينتظر مصر والمصريين في حال فشل الأطراف المتصارعة في التوصل إلى اتفاق لإنهاء الأزمة.
وبالرغم من أن إخفاق المبادرات الضئيلة جدا التي قدمت إلى الآن يبقى الأمل معلقا على قدرة المصريين على حل مشاكلهم وتسوية خلافاتهم فيما بينهم دون الحاجة لطلب المساعدة من الخارج.
اليوم تبدو مصر أكثر من أي وقت مضى بحاجة ماسة للعملية مصالحة وطنية شاملة وخارطة طريق لمرحلة انتقالية تتضمن اختيار رئيس توافقي وتشكيل حكومة وحدة وطنية وصياغة دستور جديد بمشاركة جميع المكونات السياسية بما فيها جماعة الإخوان المسلمين لكن نجاح ذلك مشروط بتقديم التنازلات من قبل أطياف العمل السياسي مجتمعة.