أهمية منظومة القيم الثقافية في التنمية
أ.د طه أحمد الفسيل
أ.د طه أحمد الفسيل –
لا تكمن مشكلة التنمية بأبعادها المختلفة وتباطؤ مسيرتها وكذا ضعف النمو الاقتصادي وتعدد الاختلالات والمشاكل المختلفة في يمننا الحبيب في مجرد ضعف الإدارة السياسية والاقتصادية وعدم اكتساب المعرفة الفنية والأدوات التكنولوجية واستخدامها بكفاءة وإنما أيضا في عدم وجود قيم ثقافية اقتصادية سياسية وثقافية واجتماعية ملائمة لعملية التنمية والتحديث بحيث يمكن القول بأن كل القيم الراهنة والسائدة في المجتمع اليمني تتسم في الغالب بأنها قيم مضادة للنمو الاقتصادي السليم ولعملية التنمية الفاعلة مثل ضعف قيم الولاء والانتماء الوطني وغياب ثقافة المواطنة المتساوية والشعور بعدم وجود هوية وطنيه مشتركه في ظل استمرار وهيمنة ثقافة الولاءات التقليدية الضيقة (القبيلة العشيرة المناطقية الحزب أو الجماعة) يعززها ضعف أداء وفاعلية المؤسسات الرسمية والقوانين الناظمة للعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
كذلك تسود في المجتمع اليمني ثقافة تقديم وتغليب المصلحة الشخصية على المصالح العامة والنظرة الدونية للعالم والتعلم والمثقف والمبدع خاصة وأن التعليم لم يعد قادرا على توفير الإمكانيات والفرص الحقيقية التي تـمكن وتتيح للفقراء والموهوبين والمبدعين وذوي الكفاءة فرصة الارتقاء الاجتماعي والإداري والسياسي بما في ذلك عدم تمكن هؤلاء من نيل احترام المجتمع على الأقل.
كما حلت في اليمن وسادت قيم الملكية والامتلاك في المجتمع اليمني محل المعرفة والعلم والكفاءة والنزاهة والعمل المنتج وسادت مفاهيم الثراء والجاه والمنصب والوجاهة الاجتماعية المتوارثة لتصبح هي القيم الاجتماعية العليا السائدة في المجتمع اليمني بدلا عن القيم المكتسبة. إضافة لذلك غيبت قيمة العمل الجماعي وسادت قيم الفردية الأنانية المتخلفة بالتزامن مع ضعف قيمة الثقة في النفس (أفرادا أو جماعات) الأمر الذي أدى ويؤدي إلى سيادة مشاعر السلبية وثقافة اللامبالاة والشعور بالغربة والاغتراب عن الأسرة والمجتمع والدولة وما ينتج عنه من غياب (أو في أحسن الأحوال ضعف) قيم الانتماء والولاء الوطني والهوية الوطنية المشتركة. إضافة إلى ما سبق اصبحت ثقافة الفساد الاجتماعي السياسي والإداري والمالي قيم إيجابية تدل على الذكاء والشطارة والنجاح اجتماعيا خاصة وأن ذلك يتزامن مع ترسخ قيم ثقافية اقتصادية سلبية.
وبالتالي لا يمكن تحقيق تنمية شاملة اقتصادية واجتماعية وسياسيةحقيقية وفعلية في اليمن في ظل سيادة قيم ومفاهيم سائدة تنظر للشخص المتعلم والمبدع والنزيه نظرة غير مجدية وغير مشجعة وغير مرموقة وتجعل من ثقافة الريع والميل إلى الاستهلاك ثقافة سائدة بدلا من ثقافة الإنتاج والكد والاجتهاد. وكيف يمكن للقطاع الخاص تأدية دوره في تحقيق النمو الاقتصادي وفي عملية التنمية في ظل بيئة غير ملائمة وغياب بنية ثقافية ومنظومة قيم اجتماعية وسياسية وإدارية ملائمة وداعمة لتوجهات الكسب الحلال والعمل المتواصل.
يمكن تعريف القيم بانها “المعتقدات حول الأمور والغايات وإشكال السلوك المفضلة لدى الناس توجه مشاعرهم وتفكيرهم ومواقفهم وتصرفاتهم واختياراتهم وتنظيم علاقاتهم بالواقع والمؤسسات والآخرين وأنفسهم والمكان والزمان وتصوغ مواقعهم وتحدد هويتهم ومعنى وجودهم”. بكلام بسيط ومختصر تتصل القيم بنوعية السلوك المفضل وبمعنى الوجود وغاياته. وتتمثل أبرز مصادر القيم المعتقدات الدينية والأخلاق والمبادئ العامة والقدوة متمثلة في سلوك ومعتقدات الأفراد والجماعات في المراكز العليا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والإدارية.ويعبر السلوك البشري عن سيادة القيم الإيجابية أو السلبية.
وتعنى الثقافة الخصائص المحددة لمجتمع ما وهي بذلك تعكس صورة المجتمع ودرجة رقيه الفكري والادبي والاجتماعي والاقتصادي للأفراد والجماعات وترسم كذلك صورة السلوك العام للأفراد والجماعات داخل هذا المجتمع. وهناك ارتباط وثيق بين ثقافة أي مجتمع وبين تخلفه أو نهضته وتقدمه فإغفال الثقافة في أي جهد أو مشروع تنموي اقتصادي هو تقصير كبير في مواجهة تحديات التنمية لهذا المجتمع وكذلك انقاص من جدوى جهود التنمية المبذولة . وبالتالي فالسمات الثقافية لأي مجتمع قد تكون سمات معاونة وداعمة للنهوض الاقتصادي التنموي أو معوقة له. والثقافة في اليمن هي الثقافة العربية الإسلامية.
وتكمن أهمية القيم الثقافية السياسية منها والاقتصادية والاجتماعيةفي أن الأنشطة الاقتصادية ومجالات التنمية المختلفة ترتبط عضويا بطبيعة القيم الثقافية والاجتماعية السائدة في المجتمع كونها تأثر بشكل مباشر في زيادة