المؤسسة العسكرية في الدولة المدنية
محسن خصروف
محسن خصروف –
الحلقة السابعة
أما « موريس جانويتز « فقد أكد على أنه « عندما تنهار الثقة في الحكومة المدنية يصبح في مقدور العسكريين أن يتدخلوا في السياسة من اجل حماية الشرعية التي أهدرها المدنيون الفاشلون (44 ).
لقد كان خوف القوى السياسية التقليدية من أن يؤدي الاستمرار في اللعبة الديمقراطية إلى وقوع السلطة في أيدي القوى التقدمية – الوحدوية خوفا واضحا بلغ درجة الرعب ثم أنه كان في نفس الوقت يعكس مخاوف القوى الاستعمارية الدولية وخاصة الولايات المتحدة التي انتهزت فرصة تسلم العسكريين للسلطة ففرضت شروطها على الحكومة العسكرية التي قبلت بدورها كل شروط أميركا المجحفة في مقابل المعونات والقروض التي جعلت حكومة العسكريين والاقتصاد السوداني معا رهينة الإدارة الاستعمارية الأميركية (40 ).
وعندما سقطت حكومة العسكريين تحت ضغط الثورة الشعبية في أكتوبر 1964 وعادت الحياة الدستورية إلى المجتمع السوداني فإن القوى السياسية الطائفية بمسمياتها الحزبية قد عادت لتسلم السلطة السياسة من جديد دون أن تقدم في برامجها أي جديد لقد ظلت تستجر نفس أفكارها التقليدية المحافظة وكرست كل جهودها من أجل استمرار الديمقراطية « الإجرائية « التي لا تعني أكثر من وجود أحزاب سياسية شكلية لا تتنافس على السلطة كما هو مفترض في النظم السياسية البرلمانية بل تدور في فلك القوى الاستعمارية الدولية وتبارك هيمنتها وتحافظ على ما هو قائم لتكون النتيجة الحتمية لهذا الشكل من العمل السياسي هي السقوط في جديد في مايو 1969من خلال انقلاب عسكري حيث يتم تعطيل الحياة الدستورية ويقع المجتمع السوداني من جديد في قبضة ديكتاتورية ترتدي الزي التقدمي في بداية الأمر ويدور ذلك المجتمع في نفس تلك الحلقة المفرعة : ( حكومة ديمقراطية شكلا طائفية رجعية موضوعا تؤدي إلى سقوط التجربة والإتيان بحكومة عسكرية ثم عودة للديمقراطية الشكلية لتمهد لعودة العسكريين وهكذا حتى أصبح الحكم العسكري في السودان هو القاعدة وصار الحكم المدني الديمقراطي هو الاستثناء (41 ).
أزمة التحديث :
وفي تطور لاحق في الاتجاهات النظرية فرضته كثافة التدخلات العسكرية وما أفرزته من صراعات حادة لا مست بشكل مباشر المصالح الاقتصادية للرأسمالية العالمية قدم بعض المفكرين إطارا آخر تم في ضوئه تناول الظاهرة العسكرية .
وفي هذا الإطار تم التأكيد على أهمية أن تكون السيطرة المدنية أو بمعنى آخر الحكم المدني في العالم الثالث مشفوعا بخطط وبرامج تنموية وفق أيديولوجيه معينة تضمن الحفاظ على توازن التغير الاجتماعي حيث أن العسكريين لا يندفعون إلى الأعمال السياسية إلا عندما تفشل الطبقات أو الفئات الحاكمة في القيام بعملية التحديث التي تتطلب إيجاد مؤسسات وهياكل تنظيمية تساعد على التوسع في عملية التعبئة الاجتماعية لاسيما وأن خبرات العالم الثالث قد أثبتت – كما يرى مفكرو هذا الاتجاه – أن المؤسسات التقليدية غير قادرة على إحداث التقدم المادي وأن التدخل العسكري في مثل هذه الأوضاع ليس إلا من قبيل حمل العبء الناتج عن أزمة التحديث التي عادة ما تكون مصحوبة بتدهور أشكال العمل البرلماني وضعف المؤسسات السياسية وشيوع الفساد السياسي الذي قد يطول القوات المسلحة ذاتها خاصة عندما تزداد الهوة بين الحكام والمحكومين ويزداد التذمر الشعبي وتنهار الثقة في الحكومة المدنية الأمر الذي يفتح المجال واسعا أمام القوى التي تتبنى اتجاهات متطرفة وهدامة بمسميات مختلفة وهو ما يدفع العسكريين إلى التدخل من أجل حماية الشرعية وتزداد إمكانية التدخل عندما تقوم الدولة بإقحام القوات المسلحة في عمليات ضبط الأمن وقمع التمردات وأعمال الشغب وزجر القوى السياسية المناهضة للسلطة السياسية.
إن القوات المسلحة في مثل هذه الأوضاع وعلى وجه الخصوص صغار الضباط لا بد أن يكونوا عرضة لتأثير قوى المعارضة بشكل أو بآخر بالإضافة إلى أن تكرار استخدام الجيش في تلك المهام قد ينعكس إيجابيا على رؤية العسكريين لذاتهم حيث يدركون مدى احتياج السلطة السياسية إليهم مما قد يترتب عليه أن يتجه العسكريون إلى الإنفراد بالسلطة السياسية كما حدث في باكستان عام 1958 وفي نيجيريا عام 1964 حيث يدرك العسكريون أنهم القوة الوحيدة القادرة على القضاء على الفساد السياسي وذلك منعا لكل أشكال المقاومة العنيفة التي تعتبر من أهم مقدمات ظهور النظم الشمولية . (42 ).
ويبدو من مضمون هذا الاتجاه وخاصة من خلال العبارات التي تؤكد على : « الحفاظ على توازن التغير الاجتماعي و « انهيار الثقة في الحكومة « و « ظهور اتجاهات متطرفة وهدامة « و « حماية الشرعية « يبدو من ذلك أن التدخل في مثل هذه الأوضاع لا بد وأن يكون من قيادة القوات المسلحة وأن الهدف هو ا