ثقافة الشبكات الاجتماعية وأثرها على الواقع

خالد القزحي


خالد القزحي –
الشبكات الاجتماعية بأنواعها أصبحت تشكل جدلا كبيرا في كل الأوساط الإعلامية وأعتقد أنها قد فاقتها لتخرج من نطاق المجال الافتراضي للشبكة العنكبوتية لتأثر تأثيرا مباشرا على الواقعين الاجتماعي والسياسي اللذين بدورهما يؤثران على بقية المجالات الحياتية. لعل أبرز هذه الشبكات هي الفيسبك (Facebook), ماي سبيس (MySapce), يوتيوب (Youtube) وتويتر (Twitter) ومن الجلي أن الأولى استطاعت أن تتربع على المركز الأكثر استخداما و انتشارا لما تقدمه من خدمات ملتيميديا متعددة و تطبيقات سهلة الاستخدام كما أنها تقدم كما كبيرا من الخدمات الترفيهية و التثقيفية. والأكثر متعة من هذا و ذاك أنها ربطت العالم ككل فأصبح من السهل التعرف على أشخاص من شتى بقاع العالم بضغطة بسيطة على كلمة (Add Friend – إضافة صديق ). هذه الشبكة تعتبر من الشبكات التفاعلية التي تتيح للمستخدم سهولة إبداء الرأي والطرح والرد مهما كان مستواه الثقافي والاجتماعي. لهذا حاز على إعجاب معظم المستخدمين الذين توفر لهم مجالا افتراضيا لإيصال أفكارهم ورؤاهم بشكل سريع إلى الجميع بدون استثناء وبقليل من الرقابة المركزية من قبل إدارة الفيسبك.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا يتم إدمان المجال الافتراضي للفيسبك إلى الحد الذي قد يلهي المستخدم عن حياته الواقعية¿ الإجابة لن تكون بتلك البساطة التي يعتقدها البعض: مجرد إدمان ! بل تتعداها لأسباب نفسية و أسباب متعلقة بماهية حب إشهار الذات والرغبة كذلك في اكتشاف النفس و قدراتها . إذا نظرنا عن طريق التحليل النفسي لما يقدمه هذا المجال الافتراضي للناس من شتى المستويات العقلية والاجتماعية لاستطعنا أن نميز أن معظم إن لم يكن كل مستخدمي الفيسبك الذين يستخدمون أسماءهم الحقيقية بالذات يسعون لإبراز أجمل المزايا التي لديهم أو حتى التي يلاحظونها على الغير. هذا قد يخلق شخصيات افتراضية تختلف كثيرا عن الشخصيات الواقعية. في المجال الافتراضي يستطيع المشترك أن يفكر بشكل أكثر ويختار ما يتم نشره بشكل أدق ليعكس صورته بالنسق الذي يعتقد أنه أفضل ما لديه حتى و إن جعل نفسه قيما على كل المبادئ الإنسانية التي لا يهواها فعلا في طبيعته الواقعية مثل مقدار الصبر الذي يكتب عنه أو شفافية تعامله مع الناس و غيرها من الأشياء الغير ثابته من شخصية إلى أخرى. نراها على الشبكة الافتراضية على أنها مزايا يتمتع بها الجميع بدون استثناء وتكاد تكون العرف المشهور بين غالبية من يكتبون عنها على شكل أشعار أو منشورات متواردة كل حس بحالته واهتمامه. الداخل لعالم الفيسبك كالداخل إلى الجمهورية الافلاطونية المثالية التي تجد فيها ما تريده في المكان الذي تريده بشكل يقبل المرونة و التنقل و الترحال بين عوالم الحالات النفسية التي تسيطر على ما يتم كتابته و نشره. بدايات الفيسبك كانت عبارة عن مجرد نشر ألبومات صور في إحدى الجامعات الأمريكية, أما الأن نرى هذه الشبكة الاجتماعية و كأنها إرشيف متكامل من الحالات المزودة بالصور و الصوت و الفيديو و حتى قنوات الترفيه و الألعاب بشكل يساعد على أن يعيش الداخل لهذا العالم الإفتراضي حياة لا يملها أو يتعب منها بحسب اهتمامات الزائر.
لا يوجد شك أن هناك تأثيرا كبيرا على الحياة العامة عن طريق عوالم الشبكات الإجتماعية الإفتراضية . على أقل تقدير يوجد تأثيرات نفسية قد ترفع أفراد و تحبط أخرين حسب المواقف الإجتماعية الإفتراضية. و لكن على الساحة الحياتية بشكل عام يمكننا تذكر أن ما يسميه البعض بثورات الربيع العربي في الأعوام المنصرمة كانت معظم نشاطاته إعلاميا عن طريق الشبكات الإجتماعية بالذات و بالذات عالم الفيسبك الذي كان يبدأ بالإنذارات المبكرة لما سيحدث لاحقا في الشارع الواقعي. و قد جندت سواءا الأنظمة أو الأحزاب أو الجماعات فرقا كاملة متفرغة لمثل هذه الحرب الإلكترونية. إذن العالم الإفتراضي له تأثيره المباشر على العالم الواقعي مهما كانت بعض نظريات الإعلام مترددة حول ذلك و ذلك لأن هذه الشبكات لم تعد فقط لمجرد نشر الصور و المنشورات و لكن للتفاعل و التواصل الاجتماعي بشكل جماعي كما هو بشكل فردي أيضا. المنشور يتم قرأته كحالة و ربما افترض القارئ أن هذه الحالة تعبر عن حقيقة يتم تداولها و نشرها عن طريق خيارات المشاركة المتاحة أو حتى النسخ و اللصق و تعمم المعلومة سواءا كانت حقيقة أم محض ادعاء أو مزحة على أنها حقيقة من قبل الكثير.
بالطبع لم أحاول في هذا المقال المختصر أن أعتمد على نظريات متخصصة بهذا المجال رغم أن غالبيتها ترجع إلى فكرة كسب وصناعة الرأي وعملية استغلال عقول الشعوب سياسيا واقتصاديا بالدرجة الأولى ولكن اعتمدت على الملاحظة والإستقراء. خلال السنوات الماضية وأنا أتردد على مقاهي الانترنت أو مجرد عمليات الاستطلاع على الشبكات الاجتماعية و

قد يعجبك ايضا