الحقيقة التي خنقها الرويشان

عباس السيد


 - لم تكن آراء الأستاذ خالد الرويشان محل جدل فكري أو خلاف سياسي في أي يوم من الأيام  وعلى العكس من ذلك فقد كان يبدو في كثير من تلك الآراء والمواقف التي قرأناها ل
عباس السيد –

لم تكن آراء الأستاذ خالد الرويشان محل جدل فكري أو خلاف سياسي في أي يوم من الأيام وعلى العكس من ذلك فقد كان يبدو في كثير من تلك الآراء والمواقف التي قرأناها له خلال السنوات الماضية مثل بائع الحكمة . في أحدث مقالاته التي نشرت في يوميات الثورة ـ الأحد 26 مايوالماضي ـ ظهر الرويشان مختلفا جدا عما ألفناه وبدا كما لو أنه غير مهنته . يشبه الأمر محلا كنت تقصده لتناول الحلوى وفجأة وجدت المحل وقد تحول لبيع البهارات.
في مقاله الذي حمل عنوان ” حتى تضحك أنت أيضا ” لخص الأستاذ خالد الرويشان حوارا دار بينه وأحد أبناء الضالع المنتمين للحراك ـ . وقد كان أخونا الضالعي ـ الذي لم نتعرف على هويته ـ يدعو في بداية الحوار أو المقال إلى فك الارتباط وفي نهاية الحوار تحول إلى وحدوي مائة في المائة فكيف استطاع الرويشان إعادة أخونا الانفصالي إلى حظيرة الوحدة ¿!.
لم يدافع الرويشان مباشرة عن ” حرب 94 ” ولكنه أقنع محاوره الانفصالي بأن الوحدة الألمانية التي تحققت سلميا مطلع التسعينات لا يعتد بها فالوحدة الألمانية ” الحقيقية ” تمت بالحرب أيضا وكان ذلك في القرن التاسع عشر بقيادة ” بسمارك “. وبالحرب التي قادها” ابراهام لنكولن ” تحققت الوحدة الأميركية في القرن التاسع عشر أيضا .. وبهذا الموقف لم يكتف الرويشان بالتبرير لحرب 94 فحسب ولكنه أعطى مبررا لقيام حروب مستقبلية .
ومثلما وضع الرويشان علي صالح وبسمارك ولنكولن في سلة واحدة تعامل بنفس المعيار مع الحروب التي شهدتها اليمن فهو يرى أن “حرب 94 ” ليست الحرب اليمنية ـ اليمنية الوحيدة فقبلها جرت حروب ومعارك في كل شطر وبين الشطرين أيضا والأسوأ منها جميعا ـ بحسب الرويشان ـ هي ” حرب 86 ” التي دارت بين طرفي الحزب الاشتراكي الحاكم في الجنوب . ولا ندري ماهو معياره في هذا التقييم ¿ . فمن حيث أعداد الضحايا تشير الكثير من المصادر إلى سقوط عشرة آلاف قتيل في ” حرب 86 ” وهو أقل من عدد الذين سقطوا في حروب صعدة ولا يتجاوز خمسة في المائة من عدد الضحايا الذين سقطوا في الحرب بين الملكيين والجمهوريين في الشمال والذي قدر بـ 200 ألف نسمة .
وبغض النظر عن أعراض وتداعيات ” حرب 86 ” التي أخذت في بعض ملامحها بعدا مناطقيا كغيرها من الحروب اليمنية إلا نتائجها أدت إلى انتصار مبدأ ” القيادة الجماعية الجماعية ” للحزب الحاكم في مواجهة ديكتاتورية الفرد التي تجسدت في عهد علي ناصر محمد الذي كان يشغل رئاسة الحزب ورئاسة البرلمان ورئاسة الوزراء في وقت واحد وهي نفس المشكلة التي واجهها الحزب الاشتراكي اليمني في دولة الوحدة مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح فكانت ” حرب 94 ” التي انتصرت فيها ديكتاتورية الفرد في مواجهة مبدأ القيادة الجماعية لنظام دولة الوحدة .
في ” حرب 86 ” أقصي الرئيس على ناصر والآلاف من أنصاره وجلهم من محافظة أبين وفي ” حرب 94 ” سقط تقريبا نفس العدد من القتلى ـ 10 آلاف ” وأقصي علي سالم البيض وعشرات الآلاف من ” كافة المحافظات الجنوبية ” ومعهم الحزب الاشتراكي الذي قاد دولة الجنوب إلى الوحدة فألغي التمثيل الحقيقي للجنوبيين في دولة الوحدة ولذلك يعتبر الكثيرون أن حرب 49 لم تقص حزبا أو جماعة أو محافظة وإنما أقصت شعبا بأكمله ومع ذلك كان لدينا الوقت الكافي لمعالجة كل تلك الأخطاء والتصدعات التي أصابت جدار الوحدة وأهدرنا عشرين عاما مأخوذين بسكرة النصر. اختزل الحوار آثار ” حرب 94 ” بما وصف بتشريد علي سالم البيض ولذلك دعا الرويشان محاوره الضالعي إلى عدم الأسى على تشريد البيض أولا: لأنه ليس أول سياسي أو رئيس يمني يتم تشريده فمن قبله شرد السلال والإرياني .. وثانيا : لأنه ” البيض” شرد علي ناصر محمد والأخير قتل سالمين المتهم بقتل الغشمي الذي يتهم بقتل الحمدي … وحتى علي عبدالله صالح بات الآن في حكم المشرد .. وعلينا أن لا نتأسى على البيض أو سواه وأن ننشغل بأنفسنا فنحن مصدر الشرعية لكل الحكام .
وفي نهاية الحوار استسلم الضالعي لمحاوره الرويشان واعترف له بجذوره الوحدوية فهو وإن كان جنوبيا من الضالع ولكن أباه من تعز وأمه من إب ليختتما حوارهما بالمصافحة وإطلاق الضحكات .
حسنا فعل الرويشان لأنه استطاع إعادة أحد الانفصاليين إلى حظيرة الوحدة ولكن إذا اعتمدنا أسلوبه في المقاربات السياسية والتأريخية لمعالجة قضية الوحدة فقد نخسر ما تبقى من الوحدويين الجنوبيين فمن الذي سوف يستمع إلينا ونحن نساوي بين علي عبدالله صالح والأميركي ” ابراهام لنكولن “.

قد يعجبك ايضا