الحوار ومعركة المفهوم

أ.د عبدالله أحمد الذيفاني

 -  ما جرى ويجري في مصر أكد عمق الهوة بين القوى السياسية والاجتماعية والمدى البعيد والواسع الذي امتدت إليه الفجوة المفاهيمية التي لم تتمكن المؤتمرات القومية والقومية الإسلامية والمؤتمرات والندوات الحوارية التي شهدتها عواصم عربية كثيرةوتربع على سدة فعلها شخصيات أظهروا عبر الحلقات الإعلامية وتحديدا
أ.د/ عبدالله أحمد الذيفاني –
ما جرى ويجري في مصر أكد عمق الهوة بين القوى السياسية والاجتماعية والمدى البعيد والواسع الذي امتدت إليه الفجوة المفاهيمية التي لم تتمكن المؤتمرات القومية والقومية الإسلامية والمؤتمرات والندوات الحوارية التي شهدتها عواصم عربية كثيرةوتربع على سدة فعلها شخصيات أظهروا عبر الحلقات الإعلامية وتحديدا المرئية منها حماسا منقطع النظير ليس فقط إلى التقريب بل إلى ردم الفجوة والانتقال إلى أرضية مشتركة من التعايش والاعتراف بالآخر والعمل المشترك الذي يقوم على المشترك ويتجاوز المختلف حوله لم تتمكن من إحداث أي مستوى من مستويات التقريب بل على العكس تماما. رأيناهم أسماء وشخوص يتحدثون بلغة رافضة للآخر وداعية إلى إقصائه وبلغة أتهامية يتبادل بها ومن خلالها كل طرف التهم للآخروتحمل بكل معانيها الاتهامية التأكيد على سلامة موقف هذا وخطأ وخطيئة موقف ذاك.
ومما برز على الشطح اختلاف واضح حول ما جرى هل هو انقلاب أم ثورة أم موجة ثورية أو غير ذلك وكل يستند على مرجعية مفاهيمية عاش الدارسون معها غربة واستغرابا للغة وما ذهبت إليه التحليلات فدخول العسكر على الخط لم يكن انقلابا وهو أمر لا أدري كيف نقبله من دعاة دولة مدنية.
ومما برز أيضا تلك اللغة المفاهيمية التي تفرز القوى التقليدية والقوى المدنية الحداثية وهو فرز لا أدري على أي أساس تم ويتم وما هي معايير وضوابط هذا الفرز فهل يعني الانتماء إلى تيار إسلامي هو انتماء لتيار غير مدني لا يؤمن بالدولة وأبعادها الحقوقية والسياسية والاجتماعية والثقافية والمدنية على نحو أعم وأشمل بصيغة التمتع بالمواطنة المتساوية والشراكة الوطنية والتعايش والإقرار بحق الآخر فهذا الاعتقاد كارثي بكل المعاني والدلالات ويدل على أن القائل به لم يقرأ الكتاب والسنة والوثيقة الأولى للدولة المدنية التي وضعها المصطفى عليه الصلاة والسلام وهي فترة زمنية سبقت التنظير للدولة المدنية الداعية والمؤكدة على المواطنة المتساوية التي ظهرت في القرن الثامن عشر وتطورت في القرن التاسع عشر لترسخ في القرن العشرين إلى حد ما.
ولا أدري أين يضع القائلون بذلك القول رؤوسهم وأين يغيبون عن حقائق التعايش والتي لو لم تكن لما كان بين ظهرانينا من ينتمي إلى ديانة وقناعة غير إسلامية ولما استمرت المباني الدينية للطوائف والجماعات إلى هذه اللحظة ولكانت كنيسة القيامة أولى تلك المباني الدينية التي تعرضت للزوال والتي يحكي التاريخ أن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه رفض الصلاة في هذه الكنسية حتى لا تتخذ عادة وتضيع معها خصوصيتها الدينية المعبرة عن سكان يضمن لهم الإسلام حقوقا كما يطالبهم بواجبات.
إن الباحث المدقق والموضوعي يدرك جيدا أن الدولة الدينية الرافضة للمدنية والعلم ظهرت في أوروبا ودخل معها الأوربيون في حروب طويلة تحت راية السلطة الدينية والسلطة الزمنية وأحرق في هذا الحروب العلما وعلومهم. ولم تظهر محاكم التفتيش التي تعزل الآخر وتقصيه في الدولة الإسلامية قدر ظهورها في أوروبا في العصور الوسطى ومن بعدها في أسبانيا والتي كانت من أبشع المحاكم التي اقتلعت الآخر وأجلتهم من مواطنهم وأعدم الكثير منهم تحت طائل إدعاء ومزاعم التفتيش الذي استند على مرجعية دينية ونرجو أن يقرأ الجميع تاريخ الأندلس ويقفوا كم كانت تلك المحاكم بشعة لم تستثن أحدا طفلا كان أم امرأة.
إن ما يجري أصابني بصدمة شديدة سيما من أولئك الذي ادعوا أنهم قد تجاوزوا الخنادق وصاروا في خندق التفاهم والوعي المشترك بقضايا الوطن والأمة وصاروا ينظرون إلى المستقبل بنظرة اللحمة والمسيرة الواحدة لمواجهة التحديات التي تجعلهم جميعا أهدافا للخصم المشترك الذي يقف سعيدا أمام ما تشهده مصر وكثيرا من الأقطار التي شهدت التحول الثوري في اتجاه التغيير وبناء الدولة المدنية التي أعلن الجميع إيمانهم بها.
ما جرى في مصر لم يكن استثناء بل هو جارö في كثير من الساحات التي بدأ الثوار يأكلون بعضهم بمزاعم المفاهيم والمزاعم والإدعاءات بالمدنية والدينية القوى التقليدية والحداثية وإلى درجة أن كثيرا من الذين رفعوا هذه الراية النتنة لم يقرأوا جيدا معاني ودلالات ما يدعون إليه.
إن التثقيف والتثقيف المضاد في رفض الآخر وما يتصل به من شحن وشحن مضاد ولد كراهية مفرطة وحقدا أسودا أدى إلى أن كل طرف يرى الآخر كومة من تعقيدات

قد يعجبك ايضا