الشرعية تكمن في إرادة الشعوب
جميل مفرح
جميل مفرح –
أسوأ ما يتصف به الإنسان العربي حتى على مستوى المثقفين والمفكرين والنخب التعامل مع المفاهيم بمحدودية مساحتها القصوى لا تتعدى الأنا إذا ما تعلق الأمر بمصلحة أو غاية فردية سياسية أو فكرية أو حتى عنصرية .. فحين يأتي مثلا الحديث عن الديمقراطية والانفتاح والمعاصرة تجد هذا الإنسان لا يباري في الطروحات والتنظيرات والدفاع والمنافحة اللا محدودة عن مثل هذه القيم والأفكار التنويرية.. ولكن حين يأزف موعد التنفيذ والممارسة تجد أكبر انفتاحي لدى البعض يعود إلى أصوله البدوية البدائية الشرسة وسرعان ما تجده يهدم بمعول العصبية كل ما بناه حول شخصيته من أفكار وانطباعات!!
> ولعل الذي يحدث اليوم في مصر واليمن وعدد من الدول العربية من أحداث ومتغيرات مؤثرة خلطت الباطن بالظاهر وألبست السائر في الحائر لكبير دليل ودامغ برهان على ازدواجية وفصام الشخصية العربية بما لا يدع مساحة للتردد والشك!!
في مصر مثلا حصلت ثورة الخامس والعشرين من مايو ونقضت حكما عتيقا عريقا لتبدله بسواه وعلت خلال ذلك الحدث كما تعالت في ما يشابهه في بلدان أخرى الأصوات المنادية بالحرية والديمقراطية والثورة وشرعيتها وامتط الإخوة المسلمون متن هذه الثورة لتصل بهم إلى سدة الحكم بمساندة شعبية واسعة ليس لأنهم إخوان أو مسلمون وإنما حبا في التغيير والتبديل الإيجابي الذي يمكن أن ينهض بوطن وبشعب يستحقان أفضل مما كانا فيه.
> وبعد مرور عام من التجربة خاضها الشعب المصري مع حكم الإخوان أعلنت الثورة عن كونها ما تزال تتأجج وتغلي لأن ذلك الحكم لم يبدر منه ما يمكن أن يكون سببا في خفوت صوتها وإعلان نجاحها وانتصارها وتحقيق أهدافها المرجوة.. فانتفض الشعب مجددا أو بالأصح مواصلا أوار الثورة معلنا عن أنها ما تزال حية ترزق.. وذلك بالطبع راجع لأن الإخوة الذين حكموا لم يستطيعوا أن يثبتوا أنهم قد صاروا حاكمين لشعب/ لوطن/ لأمة كانت في انتظار الأفضل لا الأسوأ فانحصروا في حدود فكر وفكرة الجماعة فقط وما سواها لا يعنيهم!!
> أخطاء فادحة ارتكبها ويرتكبها الإخوان كل يوم وكل ساعة فهاهم بعد أن استطاعوا أن يقنعوا العالم أو على الأقل الشعب المصري بأنهم جماعة قابلة للتطور والتحديث ومواكبة الزمن والعصر بعد بقاء لأكثر من نصف قرن في دائرة الهامش سرعان ما بدأوا بعد الثلاثين من يونيو في التراجع عن فكرة المواكبة والمزامنة والتطور وعادوا إلى أصولهم الطباعية السلوكية الرافضة للتعدد والآخر وانقلبوا على معاني وقيم الديمقراطية والثورة وشرعيتهما التي كانوا ينادون بها.. ذلك فقط حين بدأ الأمر يخرج عن سيطرتهم ويرفض الانصياع لهم!!
> هذه هي الديمقراطية وهذه هي المواكبة والمعاصرة والمسايرة التي يحييها مثل هؤلاء.. ها نحن اليوم نجدهم يحللون الانقلاب على نظام مبارك والإطاحة به فيما يحرمونه ويرفضونه على نظامهم وحكمهم مع أن الطرائق والوسائل هي ذاتها والأموال هي ذاتها أيضا.. بل غيروا من شخصياتهم التي بدت وديعة ومتسامحة وطامحة مع بداية ثورة مايو لتغدو شخصيات شرسة غير متفاهمة ولا متفهمة لا تقبل حوارا ولا تعددا ولا حرية ولا ثورة ولا شرعيات سوى شرعية وصولهم واستحواذهم على الحكم.. بل أصبحوا من الشراسة والعدائية بمكان حد التهديد بالإرهاب والإقصاء والتشبث بما لم يعد لهم إطلاقا.. وإن على دماء الشعب بأكمله.. ها هم مجموعة من البشر يعدون ويعرفون يقفون في وجه إرادة جمعية شعبية وكأنهم يريدون أن يقنعونا بأن الحكم ملكية خاصة بهم على الرغم من أنه لم يمر أكثر من عام على وصولهم إليه.. وهنا يجب أن نقول لهم إن الوقوف أمام إرادة شعب ضرب من جنون وانتحار لا يمكن أن تكون نتائجة إيجابية ولا مجدية وأن عليهم أن ينصاعوا للإرادة الجمعية حتى إذا عادوا في محاولات أخرى يجدون قبولا بهم بقناعاتهم وبأكثريتهم إذا تجسدت يوما ما.