جدل الدين والفلسفة
محمد صالح الحاضري
محمد صالح الحاضري –
< تنظر الفلسفة إلى الدين دون تأثير لتقسيمه التاريخي على نظرتها فلا تفرق بين البوذية واليهودية والمسيحية والإسلام وتعتبر أن مضمونها واحد هو الدين وأساس هذه النظرة الفلسفية أنها تشترك مع الدين في مرجعية واحدة هي الروح وأساس فلسفي واحد هو الجدل فالروح هي الفطرة والدين في وحدته المضمونية يأخذ طبيعته الواحدة هذه من أصوله المحفوظة في الفطرة مهما تعددت أشكاله التاريخية هو في أصوله الفطرية واحد.
إن الفلسفة تفهم الدين من فهمها لذاتها باعتبارها هي أيضا الفطرة في مرحلة نشاطها الموضوعية الفلسفية التالية لمرحلة النشاط الديني للفطرة باعتباره نشاطا موضوعيا ما في الفطرة من الوعي الإلهي الأزلي تموضع في صورة الدين فلم يكن الإيمان الديني سوى مفهوم للوعي في صيغة الدين فنلاحظ مثلا جدل الصواب والخطأ الفطري موجودا في الدين على صورة جدل الحسنة والسيئة كجدل بين النور والظلام داخل النفس وعلى مستوى الواقع على نحو أنه في الفلسفة نفس الجدل لكن باسم آخر يتأصل لغويا إلى موجب وسالب القانون الجدلي العام كجدل بين الفعل السلبي والإيجابي مثلما الموجب والسالب في قانون التطور يتأصل إلى الحق فالصواب هو الحق نقيضه الخطأ فلا يكون الخطأ نقيضا إلا للحق الموضوعي وهو الصورة الموضوعية للحق على اعتبار الحق ذاتا وموضوع الثاني هو شكل تموضع الأول في الطبيعة.
إن الفلسفة عندما جاءت تاريخيا بعد الدين نظرت إليه وفسرته على أساس أنها تفسر مرحلة النشاط الديني للفطرة فيصبح الوجود الموضوعي الحقيقي هو للفطرة وليس الدين أو الفلسفة فهما شكل خارجي مضمونه هي الفطرة فالفلسفة أساسا تعني الشرح أو التوضيح فنقول فقه فلسفي مثلما نقول فقه ديني وقد شرحت الفلسفة الدين من واقع مرحلتها التاريخية كأكثر تطورا في مستوى النشاط الموضوعي للفطرة داخل التاريخ فكان أسلوب عرض الحقيقة الإلهية أكثر تطورا عبر الفلسفة باعتبارها هي ذاتها هي الحقيقة الإلهية تنظر إلى ذاتها الدينية بعيون ذاتها الفلسفية وهكذا جاء مفهوم الفلسفة للدين متطورا من واقع تطوره الطبيعي كما هو في الفطرة ولأن نظرة الدين إلى ذاته أقدم في تراتبية مراحل التطور كمراحل الأكثر تقدما علميا فيها هي التراكمية كمثل أن الثانية أكثر تطورا من الأولى والثالثة أكثر تطورا من الثانية وهكذا بينما النظرة الدينية الذاتية ومن واقع التراتبية المرحلية دون ارتباط بعملية النشاط الموضوعي للحقيقة وأن ما هي إلا التاريخ العام قد مالت بالدين إلى الترميز لنفسه عند مستوى مرحلته التاريخية كمرحلة وعي أولي أوقعته في مشكلة سوء فهم الفلسفة عندما لا تعترف بالترمزية الدينية التاريخية وأشكالها المتمثلة في وجود ديانات بوذية ويهودية ونصرانية وإسلامية تقول بشكل عام: إن ظاهرتها داخل التقسيم التاريخي للظاهرة العامة للدين هي الامتداد الصحيح للفطرة فهي لا تنفي أصولها الفطرية ولكنها أخذت لنفسها شكل المشروع الديني التاريخي فأصبحت اليهودية ترمز لنفسها بنجمة داوود والمسيحية ترمز لنفسها بالصليب والإسلام يرمز لنفسه بالهلال وأصبح لا بد أن تتنافس وتتجادل بصورة تبشيرية فيما بينها استدعت معها دعاوي الأفضلية ونبش عيوب بعضها وصولا إلى الطائفية الدولية علاوة على نشوء سوء فهم بينها وبين عملية التطور التاريخي بحكم النظرة الدينية.
إلى التطور من منظور مرحلتها التاريخية الترميزية لوجودها الديني التاريخي مقابل نظرة الفلسفة إلى مرحلية النشاط الديني للحقيقة في إطار مراحل التطور التاريخي العام وأنه ليس الدين وحده إلهيا بل الفلسفة أيضا إلهية والوجود بأكمله إلهي بوصف الله يتضمن الطبيعة في ذاته وهي كلها حقائق موثقة في كتب الأديان عند قراءتها من منظور فلسفي.
نلاحظ من منظور الفلسفة أن الفطرة عبرت عن اغترابها بأشكال تعبد الظواهر الطبيعية كانت تجد ذاتها فيها باعتبار الدين جزءا من الفطرة وقد تطور النشاط الديني للفطرة إلى مرحلة الدين التوحيدي عبر نشاط فكري منهجي هو نظرية الشك وصولا به إلى اليقين أو الحقيقة فتمثل ذلك في شك النبي إبراهيم في ألوهية الظواهر وصولا إلى ألوهية الله فتنص الكتب المقدسة على أنه نظر إلى القمر فقال : هذا ربي ونظر بعدها إلى الشمس فقال : هذا ربي هذا أكبر إلى أن وصل إلى الحقيقة الإلهية وأسس الد