” ربيع ثاني” المصري

خالد الصعفاني


 - أجزم أنه لم يكن بمقدور أعتى المنجمين وقارئي الكفوف قراءة الكف للشعب المصري الشقيق والتنبؤ بما سيجري في ارض الكنانة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة .. ثورة على نظام مبارك الذي كان احد أعتى الأنظمة العربية ثباتا وترسخا , ومجيء الفرصة التاريخية التي قدمت الإخوان المسلمين كبديل أفضل بعد ثورة 25 مارس
خالد الصعفاني –

أجزم أنه لم يكن بمقدور أعتى المنجمين وقارئي الكفوف قراءة الكف للشعب المصري الشقيق والتنبؤ بما سيجري في ارض الكنانة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة .. ثورة على نظام مبارك الذي كان احد أعتى الأنظمة العربية ثباتا وترسخا , ومجيء الفرصة التاريخية التي قدمت الإخوان المسلمين كبديل أفضل بعد ثورة 25 مارس التي انطلقت من ميدان التحرير بالعاصمة المصرية القاهرة , وها هي – أي سلطة الإخوان المسلمين قد ” خصيت ” بعد عام واحد بعد أن كانت على شفا “جرف هار” وأمام اختبار هو الأصعب على الإطلاق كونهم هذه المرة في الواجهة وليس في الظل كما في السابق ..
.. وأجدني مشفقا على هذا الشعب الشقيق وهو ممزع الأوصال بين تيارات وفرق صنع بينها في السابق واللاحق ما صنع الحداد .. الشقيق المصري كان حاله حال غيره من البلدان التي تطلعت لمزيد من الحرية والحقوق والنماء الاجتماعي , لكن استحالة ذلك في المدى المنظور يطرح فكرة ” الدبور ” التي قد تلازم العربي فلا تحيد عنه .. وكيف لنا أن نتخيل شعب مصر يسكن الشوارع مؤيدا للبعض مناوئا للبعض الآخر , بل ومتواجها على النحو الذي تابعناه..!!
.. في اعتقادي المتواضع أن الإخوان المسلمين وقد كانوا الحكام في مصر وعبر الصندوق وأفضلية الأغلبية ولو النسبية كانوا أمام مرحلة تاريخية وحضور جوهري وفرصة تاريخية لو استثمروها بالصورة الفاعلة لكانوا مهدوا لفترة قيادة لمصر لحين وربما أحيان .. لكن المتابع يجد من السهل أسباب إضعاف هذه الفرصة ونسفها من الأساس بعد ذلك ..
.. ومع كامل تقديري للرئيس المصري المعزول محمد مرسي وهو يبني جسور الثقة بينه وبين أغلب المناوئين فانه ارتكب في نظري عددا من الأخطاء التي كانت بمثابة هدايا مجانية غالية القيمة للشخصيات والتيارات المعارضة وقدمت المادة الإعلامية الدسمة جدا لعشرات القنوات التي ظلت في عام مضى تبحث عن أخطاء أو ثغرات..
.. في مصر جرى انتخاب رئيس لمدة أربع سنوات بغالبية المنتخبين وهذا يكفي لكي يجلس مرسي على كرسي الرئاسة أربع سنوات قابلة للتكرار عبر الصندوق , وكان من اللازم والواجب أن يعطى الرجل ولمجموعته الفرصة الكاملة والفترة المناسبة لكي يقدم ما لديه ويحكم عليه الشعب بصورة أكثر عدالة ودقة .. لكن فكرة الربيع العربي كما يبدو أصبحت سيفا مسلتا على رؤوس كل رئيس أو مسؤول .. كما أن هذا الربيع عرف الشعوب العربية بأن هناك شارعا لا يسكنه أحد وبإمكان المتظاهرين أو المعتصمين أو حتى المخربين أن سكنه ويرفعون وهذا يعني أن أي قلة أو كثرة قادرة على عمل الصداع اللازم في رأس أي نظام حكم لاسيما إن وجد إعلاما نصيرا وهذا أهم ما يحتاجه أي ربيع كما أثبتت التجربة ..
.. خطف جنود مصريين من سيناء المصرية , قتل عدد من الشيعة المصراوية بصورة بشعة , إعلان إثيوبيا تدشين العمل في سد النهضة بعد أيام ثلاثة من زيارة مرسي لأديس أبابا , ثم ما أسماه الخصوم أخونة الدولة , الدكتور مرسي تناول الهم المصري في زمن حساس بخطاب أخذ عليه خصومه منه أكثر بكثير مما أخذ منه العامة .. أما الخطاب لم يكن دبلوماسيا ولا استراتيجيا بل بدلا من ذلك كان عاطفيا وانفعاليا ولم يكن الخطاب الثاني راجح المنطق فزاد من فتيل التأزيم وترافق الخطابان مع فتاوي وتصريحات وأحداث كانت بمثابة جاز على شعلة متوهجة .. أما ارتفاع معدل البطالة ومؤشرات ضعف الاقتصاد الأخرى فأراها طبيعية في جو عام كجوها في العام الأخير .. الحصيلة كانت إهداء رماد المعارضة جذوة الاشتعال من جديد لكن هذه المرة مع مبررات واقعية على عدم قدرة الإسلاميين على الحكم رغم إن هذا الحكم مبتسر وليس عادلا ولكنه بدا منطقيا وواقعيا أيضا ..
.. اوكي .. حضر الجيش وأمهل القوى السياسية مهلته الشهيرة بالساعات حين رأى الصراع يحتدم وأصبح حامي الوطيس بين فريقين مناصر ومناوئ , وكان لا بد أن يقول كلمته وقد قالها بعزل الرئيس ونسف انجاز الاخوان , لكن الخوف من أن يتحول هذا الجيش الفذ إلى نسخة أخرى من عسكر أتاتورك الذين وقفوا أكثر من مرة أمام الديمقراطية خصوصا حين بلغ الإسلاميون في تركيا لأول مرة الحكم عبر صناديق الاقتراع .. بمعنى آخر , يجب على الجيش المصري كغيره أن يظل حاميا لمبادئ الدولة من حرية وديمقراطية وإرادة الشعب أو حتى الأغلبية فيه , أما حضوره بالطريقة الأخيرة فقد كان في نظر الكثيرين متدخلا ثقيلا على الديمقراطية متداخلا بقوة على الشرعية الدستورية حتى وقد أنتجت حكومة مرسي العديد من الأخطاء ..

قد يعجبك ايضا