أزمة مصر .. الاقتصاد أولا

أ . دطه أحمد الفسيل

 -  تحدثت في مقال سابق حول التحديات الاقتصادية التنموية التي تواجه دول الربيع العربية وأضيف هنا أن بعض المتحدثين في منتدى الدوحة الـ13 لم يترددوا في الإشارة إلى أن تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية يمثل تهديدا حقيقيا لأمن
أ . د/طه أحمد الفسيل –
تحدثت في مقال سابق حول التحديات الاقتصادية التنموية التي تواجه دول الربيع العربية وأضيف هنا أن بعض المتحدثين في منتدى الدوحة الـ13 لم يترددوا في الإشارة إلى أن تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية يمثل تهديدا حقيقيا لأمن واستقرار هذه الدول وأن الأمر قد يؤدي إلى انتكاسات فعلية للمسارات والتوجهات الديمقراطية فيها. وزاد من مخاوفي أن حديث ممثلي وزارة المالية المصرية في حلقة النقاش الخاصة بالاقتصاد المصري كان حديثا تقليديا لم يختلف عن أحاديث الوزراء قبل الثورة المصرية لكني لم أكن اتصور أن الأحداث في مصر ستتلاحق بهذه السرعة. فمصر كانت وما تزال هي النموذج والقدوة.
لست هنا بصدد تقييم ما يحدث في مصر حاليا من المنظورين السياسي أوالأيديولوجي خاصة في ظل التباين الواضح في وجهات النظر حول هذه الأزمة بين طرف وآخر ليس داخل مصر فحسب وإنما أيضا في بقية الدول العربية وبالذات الربيعية منها. وإذا كانت السياسة قد فرقت النخب السياسية في مصر إلى فريقين رئيسيين فإني أعتقد بأن تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية كان -وما يزال- هو الهم الأساسي للجزء الغالب من الشعب المصري كما أن هذا التدهور ساهم بدور رئيسي في تفاقم الأزمة في مصر. وبدون شك شكل الوضع الاقتصادي والمعيشي التحدي الأهم للرئيس المصري الدكتور محمد مرسي وحكومته منذ مطلع العام الحالي 2013م فاقم من هذا الوضع التحدي الثاني المتمثل في عدم الاستقرار السياسي والأمني بما في ذلك الصراع المتنامي مع أحزاب وقوى المعارضة المصرية.
فوفقا للتقارير الرسمية وغير الرسمية شهدت المؤشرات الاقتصادية تراجعا ملحوظا منذ مطلع العام 2013م ولذلك لم يتردد الكاتب الأمريكي والمدير الإداري لمعهد واشنطن مايكل سينغ من التحذير مبكرا من خطورة تفاقم الوضع الاقتصادي والمعيشي في نهاية شهر مارس 2013م في مقاله المعنون ” الأزمة الاقتصادية في مصر: كيفية مساعدة القاهرة على مساعدة نفسها” مشيرا إلى أنه “في الوقت الذي تتعامل فيه واشنطن مع حرب أهلية آخذة في الاتساع داخل سوريا وتحاول منع نشوب صراع مع إيران ينتاب صناع السياسة الأمريكيون القلق من مغبة أمر طارئ آخر يلوح في الأفق ألا وهو الانهيار الاقتصادي في مصر. مستدلا في ذلك بما جاء على لسان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بعد زيارته إلى القاهرة بأنه “من المهم بل والملح أن يتعافى الاقتصاد المصري ويصبح أكثر قوة”.
وتساءل الكاتب مايكل “هل الانهيار وشيك¿” أي الانهيار الاقتصادي في مصر مستندا في ذلك إلى العديد من المؤشرات الاقتصادية مثل تراجع سعر صرف الجنيه المصري تباطؤ وضعف النمو الاقتصادي المصحوب بارتفاع معدل التضخم وبركود تضخمي وبأن ذلك قد وضع ضغوطا متزايدة على المصريين العاديين الذين يواجهون أسعارا مرتفعة للسلع الأساسية (مثل الغذاء والدواء) فضلا عن ارتفاع معدلات البطالة.
وفي الإطار نفسه ذهبت العديد من التحليلات والدراسات الاقتصادية والاجتماعية مثل الدراسة التي أعدتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بعنوان “تبديد الأساطير الأزمة الاقتصادية في مصر: الأسباب -البدائل-الحلول” في مايو 2013 وكذلك المقال التحليلي لأحمد رجب مسئول الوحدة الاقتصادية بالمركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية في القاهرة ” تدهور متزايد: أداء الاقتصاد المصري بعد عام على تولي مرسي” بتاريخ 29 يونيو 2013م.
وبالتالي فإني أتفق مع منيرىب أنه لايمكن فصل الاحتجاجات الشعبية ضدالرئيس محمد مرسي وحكومته – والتي بلغت ذروتها في الـ 30 يونيو 2013 وتطورت بصورة متسارعة في الأيام التالية – عن مجمل الأداء المتردي للحكومة في تعاملها مع تفاقم الوضع الاقتصادي وتدهور الأوضاع المعيشية المتزامن مع الانقطاعات المتكررة للخدمات الأساسية التي لم يعرفها المصريون من قبل مثل انقطاعات التيار الكهربائي والمياه وطوابير الوقود. وزاد من تفاقم هذه الأوضاع غياب رؤية اقتصادية واضحة وسيادة حالات التخبط في التعامل معها. في الوقت نفسه كان لسياسة التقشف التي بدأت الحكومة المصرية في اتباعها ابتداء من شهر ديسمبر 2012م المتمثلة في تلك القرارات والإجراءات الاقتصادية التصحيحية بهدف إبداء حسن النية تجاه صندوق النقد الدولي وبالتالي التواصل إلى اتفاق معه حول مضمون البرنامج التصحيحي كان لها انعكاسات سلبية على المواطن المصري وعلى معيشته.
كان الجزء الأكبر من الشعب المصري يقع خارج نطاق الاستقطابات والانتماءات السياسية لهذا الطرف أو ذاك ويطلق عليهم با

قد يعجبك ايضا