الديانة اليهودية اليمنية في عهد التبع الأكبر الحميري

محمد صالح الحاضري


 - ارتبطت ديانة المقة المذكورة في النقوش السبئية في الفترة التالية للقرن العاشر قبل الميلاد بمناطق مارب والجوف قبل النزوح السكاني منها إلى الهضبة ولكن في العصر الحميري كانت صنعاء معقل الديانة اليهودية اليمنية بهذه الخلفية نفهم أن مناطق ذيانة المقة هي مناطق المركز السياسي لما قبل العصر
محمد صالح الحاضري –

ارتبطت ديانة المقة المذكورة في النقوش السبئية في الفترة التالية للقرن العاشر قبل الميلاد بمناطق مارب والجوف قبل النزوح السكاني منها إلى الهضبة ولكن في العصر الحميري كانت صنعاء معقل الديانة اليهودية اليمنية بهذه الخلفية نفهم أن مناطق ذيانة المقة هي مناطق المركز السياسي لما قبل العصر الحميري الواقعة في الهامش الصحراوي على الحافة الشرقية للرقعة الزراعية المركزية المتصلة غربا بالعمق الجغرافي وكانت تتميز بانبساطها كونها منطقة تجمع سيول الهضبة في طريقها إلى صحراء الربع الخالي وتم حجزها بسد مارب.. وبعد انتقال سكان هذه المناطق إلى الوديان الفسيحة داخل الهضبة تم التوسع في بناء المدرجات الزراعية داخل مناطق الهضبة ولكن بعد اكتمال التشكل الاجتماعي لم تعد توجد المقة بصورة رسمية بل الديانة اليهودية اليمنية باعتبار المركز السياسي أصبح موجودا في الهضبة التي هي مركز ديني يهودي.
في تصوري أن تطور الدور القيادي لمناطق الهضبة مرتبط بشروط جديدة أخذت مكان الشروط القديمة لمناطق الرقعة الزراعية المتأكلة بفعل الزحف الصحراوي وأن الانتقال إلى الهضبة على علاقة أيضا بتفاعلات ما بعد الديانة التوحيدية وتطورها داخل المناطق الجبلية كجزء من الشروط الجديدة التي تأسست عليها مملكة حمير.
نفهم من هذا بأن اليهودية اليمنية ساعدت على انضاج الدور القيادي للهضبة وأنه كان دورا طبيعيا أتى من تطور تاريخي ولم يتم انتزاعه بأسلوب الغلبة داخل صراعات الواقع.
نلاحظ أيام الملوك المكارب أن الملك المكرب كان يجمع بين السلطة السياسية والسلطة الدينية وهذا كان في 610 قبل الميلاد وقد استمرت سلالة كرب آل وتر مئات السنين باعتبار اسم كرب آل وتر كان يتكرر كاسم كامل أو جزئي خلال ما بعد 610 على امتداد الفترة التى ظهر في وسطها ذمار آل وتر ولكن ذلك يعطينا مفهوما جزئيا لتشكل الديانة التوحيدية باتجاه أخذ حجمها الكامل طبقا لما عبرت به عن نفسها داخل العصر الحميري على أساس أنه تطور تاريخي للواقع اليمني نقطة أساسه التوحيدية الملكة بلقيس.. وقد أخذ مكانه التاريخي واستطاع أن يعبر عن ذاته ويحقق وجوده الاجتماعي داخل مناطق الهضبة كأحد أسس العصر الحميري.
إن المقة إله القمر كما اسمته النقوش تعتمد لغته الدينية على نفس الأسس الدينية المشتركة التي تطورت لاحقا إلى شكل الديانة التوحيدية «اليهودية».
لقد قيل بأن أسعد الكامل قام بنشر اليهودية والمقصود بذلك هو توسيع نطاقها الوطني فالمعروف عن الديانة اليهودية أنها غير تبشيرية وإنما ديانة تعتمد على النوع وليس الكم فتستقطب إليها من يشكلون لها إضافة نوعية تقويها وتخدم وجودها الاجتماعي وتحفظ أمن مسيرتها الدينية التاريخية.
ان اليهودية اليمنية كانت استيعابية ولكنها تحولت إلى قومية يمنية بحكم الفارق بين مفهوم الاستيعاب ومفهوم التبشير فكانت اليمنية أساس عملية نشر أسعد الكامل لليهودية اليمنية.
فنفهم بأن التبع الأكبر الملك أسعد الكامل قام بنشر الديانة اليهودية ليس على أساس تبشيري بل على أساس وطني يقصد به نشر اليهودية اليمنية بين اليمنيين.
إن خطة نشر اليهودية تضمنت مفهوما تقديميا للعقيدة الدينية على خلفية ضرورتها لتشكيل قناة اتصال بين الإنسان والرب فهي عملية روحية لا غنى للإنسان عنها الذي إذا لم يجد دينا توحيديا يعتنقه سيعبد بالضرورة الحجر والشجر والقمر والشمس فكان ضروريا تقنين الديانة اليهودية اليمنية لتشكل عمقا روحيا للوطنية اليمنية فلا يتعرض الواقع الوطني للاختراق وتهتز أسسه الكيانية تحت ضغط الحاجة الإنسانية الفطرية إلى الدين.
كما إن يهودية أسعد الكامل هي امتداد ليهودية شمر يهرعش في 592بعد الميلاد وامتداد يهودية كرب آل وتر في 610 قبل الميلاد باعتبار الثلاثة ينتمون إلى الفترة التاريخية للهضبة. نعرف كذلك من وجود الشخصية المكتملة للديانة اليهودية اليمنية أنها ديانة قائمة بذاتها ومستقلة وأنها تشكلت تاريخيا داخل بيئتها الوطنية اليمنية على هذا النحو الطبيعي ولم يتم الأمر بقرار سياسي بقدر ما هو نتاج وعي وطني تحكمت فيه التجربة الدينية الطويلة لليمنيين.

قد يعجبك ايضا