الجراد في الذاكرة الشعبية

محمد صالح البخيتي

محمد صالح البخيتي –

في الشهر السابق ظهرت أخبار الجراد في المحافظات الشرقية والشمالية ومن ذلك الحين لا تزال الجهات المختصة بمكافحة الجراد في حالة طوارئ فالفرق الفنية الميدانية تتتبع مناطق انتشار وتكاثر الجراد في محافظات حضرموت وشبوة ومارب والجوف. وقد ذكرني هذا التحرك بما كنت قد جمعته من معلومات تاريخية متنوعة عن الجراد أضرارها وفوائدها. فرأيت أن أنشرها هنا مطعمة بما سمعته من والدتي باللهجة الدارجة وبما قرأته في بطون كتب التاريخ لتعكس لنا كيف كان أثر الجراد في الماضي على حياة الناس قبل أن تكون الدولة قد كلفت نفسها بمكافحة هذه الآفة الخطيرة.
فمنذ القدم إلى اليوم واليمنيون يعتمدون في اقتصادهم على الزراعة ولم تكن السنة الزراعية مأمونة من عدة زوايا أهمها وأشدها خطرا هو خطر الجراد العدو اللدود للمزروعات فكم أبادت الجراد من أراض زراعية كانت محملة بأجود الثمار فتحولت في دقائق من أرض خضراء إلى جرداء فقد تصبح المزارع خاوية إذا قدر لها أن تستقبل أفواج الجراد التي تأتي على الأخضر واليابس حتى قيل:
(تقط الأخضر مع اليابس وحتى الحجار)
وقيل:
( ما رازق نفسه إلا من حمى ذرته من الجراد )
ومن لحظة وضع المزارع بذوره في التربة يظل بين الخوف والرجاء من آفة الجراد لهذا فإن الذي يشز الذرة وتعجبه طلعتها يتذكر الأخطار المحدقة بها ويغني بهذا المقطع:
يا رب خارجها من الشرورا
من البرد والقيúف حين يثورا
كلما كلمتني والدتي عن الجراد ووصلت إلى هذا المغنى تسألني عن معنى ( القيúف) ثم تجيب عن سؤالها بقولها: القيúف هو الجراد يا ولدي والبرد بفتح الباء والراء هو المطر الثلجي الذي يكسر سيقان الذرة.
وقد أطلقت عليها كلمة القيúف وهي صفة مشتقة من حالة طيرانها فعندما تحلق في الجو وتتقوس مجاميعها يقال: قيفت بفتح القاف وتشديد الياء.
كما يطلق على الجراد ( ظبية رامة) فيقول القالمي في مهجل الصراب ما يحث على سرعة الصراب قبل أن تباغتهم الجراد:
يا أهل الوادي يا صرامة
لا تعديكم ظبية رامة
غير أعدوها بالهيامة
ولو رجعنا إلى حرب الصراقة التي حدثت في الحداء بين بني بخيت وبني زياد في شهر رمضان 1308هـ لوجدنا أن الجراد كانت هي المسبب الأول لها وقد روت لي والدتي حكايات كثيرة عن الجراد.
قالت والدتي مخاطبة لي: يا ولدي في إحدى السنوات كانت الذرة في قريتنا الملحاء ذöي خلق الله ومعنا عدة جرب متلومة ذرة منها حق بيت منصور السليماني والجربة فقد كانت عندنا بعدما مات محمد صالح منصور لأنه أوصى بعياله إلى ذمت أبوك1 وقد فقحوا الذرة الفقحة الثانية قد هي إلى الركبة والعöرúق سع هذا (مشيرة بيدها إلى سمك نبات الذرة وسمكه دليل على صلاحه) والناس أمراض فتراييت أنني كنت أطحن في المطحن حق بيتنا ( دار السد ) الواقعة على يسار الداخل من باب البيت وخلال ذلك دخل أبوك من باب البيت وجنبه رجل آخر لابس أفخر الثياب يحدث والدك فقال: أنا علمت أن به في الملحاء بنية ذي خلق الله جيت أخطبها. ولما أصبح الصبح فعلنا صبوح (معصوب وسمن) فاصطبح أبوك ودخل سوق الاثنين ( زراجة ) وما جاء حمية ( وقت الضحى ) إلا وقد الصياح ملان الملحاء فقلت: يا عمة الناس ذي يصيحوا يعلم الله ايش قد به وطلعت الجبا أتشوف أيش قد به وما أسباب الصياح وما أن طلعت الدراج حتى سمعت وقع الجراد في الدراج غير المسقوفة وفي قاع الجبا طق طق طق طق طق فثبرين ركبي من الخوف وقلت: الجراد الجراد يا عمة وبزيتك في حöجúفي ولقطت نفسي وسرت الحصöير أحميه من الجراد وكنت في طريقي أدعس فوق الجراد خش خش خش خش خش من كثرها ولما وصلت الحصير طرحتك في طرفه وعد كنته رضيع2 وكنت أنش الجراد من فوق الذرة وارجع أنشها من فوقك:
يا جرادة يا أم ريش
خلي المسكين يعيش
ثم احتزمت عمتي بالمصر ولحقت بعدي ولحقين معنا بنات العمري نشنشنا لا ما تعبنا وعمتك حاكمة جات من بيت ناصر أحمد تحمي حقهم الذرة فكانت تنش شوية وتقل: هيا شلوني مدري أو قد علي مات وانا حسي عند الجراد. وتضيف: كان علي ولدها مريض في الرياض.
وواصلت حديثها قائلة: إن الجراد حلقين فوقي حتى أغطينني وبعد ساعة أصبحت الجرب الزراعية كالخرف كأن لم تزرع في الملحاء كلها مال البيت والبرار والنجد وما رجع أبوك من زراجة إلا وقد المجفأ ريش وبعد ذلك أشرست الذرة وكانت تطلع أربع خمس قصب مكان القصبة الواحدة لكن بعدما خلثت السبول كانت تهب الريح وتقطقطها قطقطة فيدوها للقراش.
وهكذا صار مجهودهم هباء لكن إيمانهم القوي بالله يقلل من وقع الكارثة عليهم فيقولون أنها مكتوبة للجراد وأن الله هو الذي أرسل الجراد تأكل ما قد كتبه لها وإلا فالمثل على لسن علي ولد زايد يقول:
( عندي تقوم القيامة * ولا حنين المجارد )

قد يعجبك ايضا