السياسة للجميع!!

علي أحمد بارجاء

 - السياسة, وما أدراك ما السياسة, كثير ممن أعرفهم جربوها يوما ما وهربوا منها غير مأسوف عليها, فللسياسة أهلها, ولكن شاع بين الناس أن (كل شيء في الحياة سياسة) وعليه فالجميع سياسيون, تستمع إليهم فتظن
علي أحمد بارجاء –
السياسة, وما أدراك ما السياسة, كثير ممن أعرفهم جربوها يوما ما وهربوا منها غير مأسوف عليها, فللسياسة أهلها, ولكن شاع بين الناس أن (كل شيء في الحياة سياسة) وعليه فالجميع سياسيون, تستمع إليهم فتظن أنهم ساسة محنكون, ويحاولون إقناعك, بأن حديثهم فيها من باب مسايرة الناس, لأن السياسة أصبحت للجميع.
في هذا الزمن فقط أصبح كل يدلي في أمور السياسة برأي, وتحول الجميع إلى محلöلين سياسيين! لا بأس, فكل إنسان من حقه أن يحلöل كما يرى من وجهة نظره, وقد يخطئ وقد يصيب, ولكن ينبغي معرفة أن السياسة حمالة أوجه كالنصوص الأدبية, وعلى هذا فالإصرار بصحة رأي مقابل آخر أمر غير صحيح, لأن الفضاء أوسع والمدى أبعد, وكل يرمي بحجره فإن أصاب هدفا فتلك رمية من غير رام ليس إلا, وليست نتيجة قراءة حقيقية بنيت على معطيات علمية. وإن ابتعد أو اقترب فلا جناح عليه ذلك أنه أبحر في بحر وهو لا يحسن السباحة, أو ليس من الماهرين فيها, فالسياسة علم من العلوم الاجتماعية التي تدرس في الجامعات ويتخرج فيها من يريد أن يمارسها كعمل ومهنة, كغيره من المتخرجين في العلوم المختلفة, أما هذا الهذيان الذي نسمعه المبني على قناعات مسبقة وانتماء سياسي فليس من السياسة في شيء, وإنما مصداق لقول القائل: لو أن الناس تكلموا فقط في ما يحسöنون ويعلمون لساد الصمت في ما بينهم.
السياسة تريد اطلاعا واسعا على التاريخ السياسي والتجارب السياسية, وتريد عقلا متفتöحا, وفكرا متحرöرا متسامحا, وقلبا صبورا, وحنكة وحكمة, ورؤية وبعد نظر, إلى غير ذلك من خبرات ومهارات تضمن النجاح لمن يمارسها, وصحة قراءة لأحداثها لمن يتحدث فيها, أما من يفتقر إلى ذلك _إذا كان مؤثرا في غيره_ يستطيع أن يغيöر قناعات الآخرين مع عدم صحة ما يصدر عنه مما يظن أنه رأي وتحليل صائب لا يحتمل الخطأ.
نحاول أن نبتعد عن السياسة ولكن نجد أنفسنا فيها شئنا أم أبينا, حديث السياسة ذو شجون, مثل (حديث الحنش) الذي يعبöر عنه العامة بأنه (لا يöنúقöتöل), أي لا ينتهي. فكل حديث يدور بين الناس في أي مجال من مجالات الحياة, سنجده ينحرف بالضرورة إلى السياسة, ولا ينتهي إلا وقد تعددت فيه الآراء واختلفت, وارتفعت الأصوات, وظهرت التشنجات والتعصبات, وانتهى الأمر إلى حقيقة مؤداها أننا نفتقر إلى آداب المحادثة الودöية والحوار البناء وشروطهما, وينفض المجلس وقد صنف كل منا الآخر, واتخذ تجاهه موقفا, وراح يصفه بأنه لا يفقه في ما يعتقد ويدعي, وخيرهم من لم يلجأ إلى القطيعة التي تتحول إلى عöداء. فينبغي النظر إلى الاختلاف في الرأي, وإلى حقö الإنسان في التعبير عن رأيه بحرية على أنه استحقاق ديمقراطي يؤكد مبدأ التعدد, ولا ينبغي أن يفسد للودö قضية, وأن يظل التعايش والتسامح بين الناس مهما اختلفوا في التوجهات والآراء.
إن ما يحدث هو نتيجة طبيعية للجهل بالسياسة وتعقيداتها, واعتقاد سهولة الخوض فيها, والجري في دهاليزها وسراديبها من غير سابق معرفة بعلومها ومصطلحاتها.
وليس في ذلك غرابة, فنحن في واقع لا يؤمن بالتخصص, ولا يجعله الأساس في وضع الرجل المناسب في المكان المناسب, فمن باب أولى أن تجد كل الناس يتحدثون في السياسة ويحللون أحداثها ويبنون على تحليلاتöهم آراءهم ومواقفهم, وبخاصة أنه لا يترتب على ذلك ضرر جسيم يمكن إلحاقه بالآخرين, كالضرر الذي يلحقه من يمارس دور الطبيب معتمدا على خبرته الطبية فيصف لمريض ما أدوية قد يؤدي استخدامها إلى ما لا تحمد عقباه. وينسحب هذا على ضرورة عدم القول بغير علم في كل مجال, فإذا كان لا يجوز أن يتحدث في أمور الدين إلا من تفقه فيه, وأن من لا يعلم فعليه أن يستفتي من هم أعلم, وبهذا جاء في محكم التنزيل قوله تعالى: “واسألوا أهل الذöكرö إنú كنتم لا تعلمون”, وتعارف العامة في حياتهم على هذا فقالوا في أمثالهم: (أعطö الخبز خبازه) مخافة أن يتدخل كل إنسان في ما لا يعلم فتسود الفوضى ويعم الفساد. وما حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن (الرويبضة) إلا من باب النهي عن الخوض في أمور الأمة إلا لمن اكتملت فيه شروط الأهلية, والسياسة من أهم المجالات التي تدبöر حياة الأمة وشؤونها.
لقد اختلط اليوم الحابل بالنابل, وصار كل يرى في نفسه أنه الأجدر والأعلم, وأن من حقöه قول ما يريد ف

قد يعجبك ايضا