إشكالية ترجمة الشعر

محمد الكميـــم

محمد الكميـــم –
الترجمة من اللغات الأخرى أمر ضروري للتواصل والتفاعل مع منجزات الآخر إلا أن هذه الضرورة متباينة من مجال إلى آخر فالمتفق عليه أن ترجمة العلوم لا مناص منها أما الآداب فالاختلاف حول ترجمتها أمر قائم وبدرجات متفاوتة يصل إلى أشده حول ترجمة الشعر حيث يثار جدالا واسع النطاق بين المترجمين والنقاد والشعراء عموما حول جدوى هذه الترجمة فبعضهم يرفض هدف الترجمة ويراها خياية للنص الأصلي لأنه لكل لغة ووفقها الخاص من ثم لا يجوز ترجمة الشعر بأي حال من الأحوال.
ويرى البعض الآخر في هذه الترجمة نوعا من التواصل والتفاعل والمطلوب مع الآداب الأخرى إلا أن هذا الجدل اشتد بين المترجمين ذاتهم حول كيفية الترجمة ذاتها فهل يترجم الشعر عن طريق التأويل أم يكون الترجمة الحرفية للقصيدة.
وفي رأي الناقد د. جابر عصفور أن الترجمة تنقسم إلى نوعين من حيث كيفيتها ونوعية المترجم فالمترجم المحاكي مثلا في تعداد المترجمين المتأخرين من حيث المكانة أو بمعنى أدق لا يتمتع بأي مكانة أصلا فهو يحاكي النص الأصلي ولا يستطيع احتواء خصوصيات النص واللغة على السواء أما النوع الآخر فهو” الترجمة التأويلية” وهي الترجمة الحقيقية والتي تعتبر بمثابة الخيانة الخلاقة للنص المترجم والمترجم التأويلي هو الذي يقوم باحتواء النص وتمثل خصائصه ومضامينه ثم يقوم بإعادة إنتاجه بما يتفق واللغة الجديدة والثقافة الجديدة التي ينقل إلىها المترجم العمل الأدبي ويؤكد أن فعل الترجمة في هذه الحالة.
هو عمل يحسب بالقياس على ثقافتين مختلفتين ولغتين منفصلتين إلا أن ثمة تفاعلا مازال قائما بين هاتين الثقافتين وبالكيفية نفسها فالتأثير مشترك وكذلك التأثر الناتج عن سمة التفاعل بين الثقافات والترجمة هي أحد أفعال الحوار الثقافي الخلاق بين الأمم كما تؤثر الترجمة على حركة الإبداع الأدبي للأمة وفي المرحلة الأخيرة ساهمت ترجمة الشعر على وجه الخصوص في ظهور ألوان وأجناس أدبية جديدة أصبح لها تأثير فاعل في الحركة الأدبية العربية .
وفي حين يقر ” عصفور” فعل التأويل في الترجمة يعارضه في الرأي د. حامد أبو أحمد أستاذ الأدب الأسباني بجامعة الأزهر في أن تكون الترجمة تأويلا وأن يقوم المترجم الذي يقوم بهذا الدور لا يملك أي حق في حرية تفسير النص حتى لا تنتهي كل النصوص إلى رؤى مختلفة ومتعارضة مع رؤية كتابها على أساس رؤية المترجم نفسه .
 ويقول ” أبو أحمد ” : ” أرفض إطلاق لفظ تأويل على الترجمة وأرجح أن تسمى “فن ” أو عزف مع ضرورة الحفاظ على ثوابت النص وعدم تأويله وكذلك يجب مراعاة أبعاد القصيدة والحفاظ على ماهيتها ووظيفتها الأساسية مع ضرورة أن يترجم الشعر نثرا لكي تسهل عملية الترجمة وتخرج من منحناها الشاق الذي يجعلها عملية تصنيعية تفقد القصيدة قيمتها تماما لذلك الأفضل أن يترجم الشعر نثرا خصوصا وأن حركة الشعر العربية الحديثة تتجه نحو النثر وأصبحت أكثر تفاعلا معه ” .
قصيدة النثر
بينما يرى الناقد ابراهيم فتحي أن وجود ترجمات عربية حديثة لأشعار غربية وشرقية أدى إلى تغير الإحساس بماهية الشعر ودوره الحقيقي كما أدى إلى ظهور رؤى واتجاهات جديدة أن ظهور قصيدة النثر نتيجة طبيعية لهذا الشعر المترجم الذي كشف عن زيف اللغة البلاغية والإلتزام الموسيقي الصارم ومدى تأثير ذلك في لغة الشعر التي يجب أن تتمتع بخصوصية في الصور والإيحاءات والحس الشعوري العام بعيدا عن النظم والعروض وما يؤدي إلىه من تصنع وحين كشفت موجة الشعر المترجم عن شعراء مثل: “ت . س . إلىوت” و”بابلو نيرودا” فقد كشفت عن اتجاهات جديدة في الكتابة تعتني بتفاصيل الحياه اليومية وتعتمد على الخبره الذاتية والمعاشرة كل ذلك أدى بالطبع إلى تأثر الشعراء العرب بهذه الاتجاهات ومحاولة مجاراتها والكتابة على نمطها .. ومن ثم ظهرت قصيدة النثر كرد فعل طبيعي للشعر المترجم.
وعن فكرة ترجمة الشعر كنظم يقول إبراهيم فتحي : إن ترجمة الشعر المنظوم في قوالب هو نوع من العودة إلى عالم الإيقاع والموسيقي وهي مسألة واجبة في حالة الشعر المنظوم لكن بالنظر إلى إنتاج الشعراء الغربيين سنجد أن موجة الشعر إنحسرت ومن ثم لا مجال لترجمة أشعارهم كشعر كما أن المتلقي العربي أصبح على استعداد لتقبل الشعر المترجم في ثوبه النثري لشيوع هذه الظاهرة في قصيدة النثر العربية والدعوة إلى ترجمة الشعر منظوما قد تكون واجبة في بعض الحالات حتى يكون النص الشعري الموسيقي بارز لكن تلك الدعوة غير موجهة لقصيدة النثر بل الغرض منها أن تكون الترجمة معبرة تعبيرا حقيقيا عن أصلها فلا تفتقد للموسيقى سواء كانت هذه الترجمة إلى الشعر أو إلى النثر ونحن طبعا لا نتخيل أن يترجم شعر منثور إلى منظوم لكن تبقي الحقيقة المؤكدة وهي أن قصيدة النثر ابنا شرعيا للشعر المترجم وأ

قد يعجبك ايضا