تغيب الوعي- غياب المصطلحات

د غيلان الشرجبي

 -  المعرفة الواعية ليست أكثر من مصطلحات وتعريف المصطلحات وقد تختلف المسميات فنقول قوانين علمية أو قواعد أو مبادئ الخ.. فنضع قانونا علميا ثم نعرفه لذلك نعتبر تعريف المصطلحات في البحث العلمي أهم الخطوات المنهجية لتحديد معنى أي مصطلح لتجنب التفسيرات المختلفة لأي منها وتحديد المقصود الموسوعي المتداول في
د/ غيلان الشرجبي –
المعرفة الواعية ليست أكثر من مصطلحات وتعريف المصطلحات وقد تختلف المسميات فنقول قوانين علمية أو قواعد أو مبادئ الخ.. فنضع قانونا علميا ثم نعرفه لذلك نعتبر تعريف المصطلحات في البحث العلمي أهم الخطوات المنهجية لتحديد معنى أي مصطلح لتجنب التفسيرات المختلفة لأي منها وتحديد المقصود الموسوعي المتداول في الاجتهادات البحثية ومن ثم استخلاص المفهوم الإجرائي الذي صاغه الباحث بالنظر إلى التراكم البحثي السابق وبما يتفق مع محددات البحث الذي يقوم به.
والمتابع للمصطلحات السياسية السائدة يلاحظ التغيب الواعي أو غير الواعي للكثير من التعريفات الحرية لكل منها إلى الحد الذي يختلط فيه الحابل بالنابل والشعار النظري بالممارسة الواقعية والأهداف العامة بالأهداف السلوكية وتلك أخطر الظواهر التي أفضت إلى ما نشهده من تناقضات في الخطاب السياسي بكل الملابسات المترتبة عنه لذلك نرى الكل يتحدثون عن الشيء ونقيضه فالكل يتحدث عن وسطيته واعتداله وإن كان في قمة التطرف والكل يتشدق بالقبول بالرأي الآخر وأن الشواهد الكونية قائمة على التكامل والتنوع ثم تأتي التصرفات لتكشف عن قوالب ثقافية جامدة تنتج عقليات شمولية وأنماط فكرية متحجرة ولو أن أحدنا أجرى استبيانا مفتوحا للإجابة عن سؤال : ما نوعية الإدارة التي تؤمن بها¿ لكان الخيار الديمقراطي معشوق الجميع وبلا استثناء حتى لدى اعتى الطغاة لنستحضر المثل القائل «أسمع كلامك يعجبني- أشوف افعالك اتعجب» وتسري هذه المقولة على كافة الشعارات الاصطلاحية التي تحدد مصيرنا المستقبلي بكل ما يحيط به من مفارقات بين أن نحتكم للمفردات القاموسية لنرقى إلى مستوى ترجمتها سلوكيا وبين أن نقع ضحايا سوء الفهم وتزييف الوعي بهدف احتواء طموحات التغيير الحضاري المنشود قولا وفعلا فنغرق في متاهات شعارات فضفاضة ظل خصوم التغيير يتشدقون بها شكلا ويصادرونها مضمونا فمثلا:
1- لقد كان رواد حركة الأحرار حكماء فعلا عندما حددوا هدفا واحدا ووحيدا لثورة 1948م وهو «الاكتفاء بنظام دستوري ولا يهم أن يكون ملكيا أو جمهوريا مقارنة بظروف تلك المرحلة وها نحن ومنذ أكثر من ستين عاما لم نبلغ هذا الهدف رغم ادمان صياغة الدساتير وتعديلها بالحذف والإضافة .. الخ وننسى أن الدستور عرف اجتماعي يفقد وظيفته ما لم يفعل فهو مجرد نصوص جامدة يتوقف مدى فاعليتها على مصداقية الاحتكام إليها.
2- الثورة.. والثورة بمعناه العام تعني «التغيير» ولأن لكل ثورة خصوصياتها فلا بد لكل منها أن تأخذ بخصوصية البيئة الاجتماعية المعبرة للانتقال مما كان إلى ما يجب أن يكون من خلال الأهداف العامة لمسار الثورة.
وها نحن نتحدث عن «ثورة شبابية» ربما ابتكر الشباب اسلوبها- وكفى وهذا الأسلوب المبتكر لا ينفي أن كافة الثورات شبابية بكل ما تحمله هذه المرحلة العمرية من حيوية وطموح غالبا ثم يعمد الكبار للالتفاف عليها فالعيب إذا ليس باهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر وإنما بسياسات الاحتواء الممنهج لتحويلها إلى قوالب جامدة.
3- الانقلاب: وشواهده كثيرة إلا أن خلاصتها هي قيام حزب أو فئة أو جماعة بحركة انقلابية للاستحواذ على الثروة والسلطة دون الآخرين فالفارق بينها وبين الثورة شاسع وعميق فالثورة تمثل إرادة شعبية بينما الانقلاب يمثل إرادة من قاموا به مهما رفعوا من شعارات نظرية لإيهام الجاهير أن لها ابعادا وطنية وأهدافا حضارية.
4- العمل المؤسسي: وتقديم خدمات لأعضائه وفقا للمحددات اللائحية فالنقابات والاتحادات والجمعيات والمنظمات وسواها تهدف إلى تشكيل همزة وصل بين الأعضاء الذين ينتمون إليها وتأطير جهودهم لتحقيق ما يسمى «ديناميكية الجماعة» فالحركة الجماعية تضاعف الجهد الفردي بل إن الدول المتقدمة استفادت من هذه الأطر المؤسسية لترشيد السلوكيات الفردية أخذ وعطاء – حقوق مقابل واجبات وكذا إذابة النعرات العصبية بالبدائل المؤسسية لتصبح المؤسسة الانتاجية نموذجا لإشباع الحاجة الغريزية للانتماء الحضاري بدلا من الولاءات التقليدية الهدامة وكلما أحس العضو بجدوى علاقته بزملائه بحيث تتكامل الجزئيات في الأدوار الكلية تتضاعف جدوى الانتاج وكأن العضو في المؤسسة فرد من أفراد أسرة ولو استوعبنا هذه الحقيقة لذابت تلك الولاءات الفئوية أما لماذا لم يحدث ذلك رغم أن الكثير من بوادر العمل المؤسسي ذات جذور عريقة في اليمن¿ فالجواب هو أن التحزب والتمذهب الذي كاد يختفي قد عاد بقوة وبقدرة قادر فتغلغل في كافة مرافق الحياة فصار كل

قد يعجبك ايضا