دمع من القلب الحلقة الحادية والعشرون

د. ياسين عبدالعليم القباطي

 - قصة واقعية لمصاب بمرض الجذام تغلب على المرض وانتصر عليه وما زال يعمل في برنامج مكافحة الجذام هو الحاج أحمد عزيز أبو حسن من بيت أبوحسن عزلة الكينعية آنس.
د. ياسين عبدالعليم القباطي –
قصة واقعية لمصاب بمرض الجذام تغلب على المرض وانتصر عليه وما زال يعمل في برنامج مكافحة الجذام هو الحاج أحمد عزيز أبو حسن من بيت أبوحسن عزلة الكينعية آنس.

لعنة الجذام في خيمة الصليب
أخيرا ابتسمت لك الدنيا وحالفك الحظ يا أحمد عزيز سيزول عنك الهم والغم ويغادرك الحزن والكربة, كل مآسي الحياة التي صاحبتك مع مرضك المجهول ستولي عنك بعد دقائق من الآن . أسير فرحا في شارع التمور متجها صوب مقر الصليب الأحمر ها هي الخطوات الأخيرة من رحلة 600 كيلو قطعتها ماشيا على قدمين حافيتين تنزفان دما من الجفاف والشقوق والجروح الذي سببها المرض المجهول اللعين مشيا أتيت من قرية أبو حسن في آنس وحتى نجران لأصل إلى النصارى أطباء االصليب الأحمر .
ها أنا أمر بسوق التمور أكوام كبيرة من التمور الجافة تنقلها جمال وحمير وسيارات ويلز وعنتر ناش . كأن الناس في نجران وضواحيها لا تأكل غير التمر زكائب فغرت فاها واسعا ومكيال وراء مكيال يملأ ويفرغ في الزكائب وحمير وجمال تنتظر دورها لتنقل التمر المجفف سوق كبير مزدحم بالتمور الجافة وكأن كل نخل وادي نجران قد حصد اليوم وأنتقل إلى هذا السوق.. أسير منتشيا مسرورا يدي بيد ابن عمي محمد وبجانبي أخي عبد الولي وعمي ناصر متجهين إلى النصارى القادمين من مملكة بريطانيا .
على البعد رأيت سارية تحمل علما أبيض عليه علامة زائد باللون الأحمر فسألت عمي ناصر ما ذلك العلم أجابني (ذلك هو هدفك يا أحمد ذلك هو علم بعثة الصليب الأحمر إنه علم سويسرا عكست ألوانه فصار العلم أبيض والصليب أحمر وقد أنشئت منظمة الصليب الأحمر قبل مائة عام في سويسرا عام 1863 وكان وجود المنظمة نتيجة حتمية لمعركة سولفرينو القرية الطليانية التي تقاتل فيها جيش نابليون الثالث متحالفين مع جيوش سردينيا ضد جيش النمسا بقيادة الإمبراطور فرانس جوزيف 200000 ألف جندي تحاربوا قتل منهم 40000 بعد 16 ساعة من بداية المعركة وبقيت جثث القتلى مختلطة بجثث الجرحى ولا أحد يسعف جريحا أو يدفن قتيلا شاهد آثار المعركة تاجر سويسري اسمه هنري فأنشأ تلك الجمعية وسميت الصليب الأحمر مهمتها علاج ضحايا الحرب والنزاعات ومساعدة المدنيين الذين تأثروا بالحرب ) .
لم يكمل عمي ناصر شرحه فقد وصلنا إلى مستشفى الصليب وخيمة بيضاء كبيرة تحيط بها ثلاثة بيوت حديدية طويلة ضخمة تشبه صناديق عمتي سابرة بس كبيرة وطويلة ولها نوافذ وأبواب. دخلنا خيمة تحوي طاولة وأدوات حديدية وأدوية وأجهزة وكراسي يقعد عليها ثلاثة نصارى حمر شعرهم أصفر وعيونهم زرق يشبهون النصارى الذين رأيناهم على الدبابات في حمام علي في آنس تحت قريتنا يرمون علب الأكل الفاضية ليتصارع الأطفال من أجلها وتجرح أصابعهم ويتسابقون لأخذها والنصارى يضحكون فوق العربات والدبابات التابعة لجيش مولانا البدر الذي ترك الجيش والمعدات الروسية للسلال وعلي عبدالمغني قواد ثورة 26 سبتمبر وفر الى نجران هاهم أمامي الأطباء الأمل الذين قطعت البوادي والجبال لمقابلتهم وبعد أخذ ورد غادرت الخيمة ودمعي يسبقني لم ينظر الطبيب النصراني إلى حواجبي التي فقدت الشعر أو إلى أنفي النازفة وأذني المتدلية لم يشاهد البقع المخدرة تملأ جلدي أو رجلي المتشققة المجروحة كان يتحاشاني ويختلس نظرات الشك والريبة إلى وجهي المتضخم ويدخن السجائر بعصبية ثم طلب من المترجم إخراجي من الخيمة لأن مهمتهم ليس علاج المدنيين بل علاج جرحى الحرب وتحويلهم منقولين على السيارات أو حتى الطائرات المروحية إلى مستشفيات كبرى في الطائف وخميس مشيط والمدينة المنورة مررت بجانب بيوت الصناديق الحديدية الخاصة بسكن النصارى وأنا ألعن هؤلاء الأطباء الذين كنت أنتظر منهم أن يقولوا إن ما أعاني منه ليس جذاما لم يتفحصني لم يلمسني لم يطمöني بكلمة لم أر منهم بعد طول انتظار ومعاناة سفر طويل للوصول إليهم غير نظرات الشك ورئحة السجائر المزعجة التي حرمها الوهابيون أنصار إبن سعود إنهم لا يعلمون ولا يعملون فلا جرحى لديهم ولا مرضى فنحن في شهر نوفمبر 1964 وقبله بشهر عقد مؤتمر القمة العربي في الإسكندرية للصلح بين عبدالناصر والملك سعود بن عبدالعزيز ثم تبعه مؤتمر اركويت في السودان في أول هذا الشهر اتفق ملكيو اليمن وحليفهم الملك سعود مع الجمهوريين وحليفهم جمال عبدالناصر على هدنة توقفت فيها الحرب وبقي 40 مجاهدا من آنس يهيمون في شوارع نجران بدون سلاح ولا ذهب ولا مصاريف يقتاتون بها وبدلا من أن يصيروا جنودا مجاهدين في جيش مولانا صاروا عمالا كادحين يعملون بالأجر اليومي في نجران لتوفير لقمة خبز في بلاد الغربة.

قد يعجبك ايضا