ثقافة الحوار.. والنزق الفكري

أحمد يحيى الديلمي

 - من اللحظة التي انطلق فيها مؤتمر الحوار الوطني الشامل والأمل يراود كل أبناء الوطن وتتسع طاقته بفعل مواقف وتصريحات القوى السياسية المشاركة التي لا تخلو من الحديث عن
أحمد يحيى الديلمي –

من اللحظة التي انطلق فيها مؤتمر الحوار الوطني الشامل والأمل يراود كل أبناء الوطن وتتسع طاقته بفعل مواقف وتصريحات القوى السياسية المشاركة التي لا تخلو من الحديث عن الدولة المدنية الحديثة دولة النظام والقانون الدولة القوية القادرة على ترسيخ النهج الديمقراطي وإشاعة العدل والمساواة.. الكفيلة بتلبية احتياجات المواطن الأساسية وتأمين أمنه واستقراره وضمان ليتوطيد دعائم السلم الاجتماعي ومن أول وهلة وكل طرف يعلن على رؤوس الأشهاد أنه مع الشراكة والمساواة في المواطنة والقبول بالآخر المخالف في الرأي والفكر والمذهب الاعتقادي والحزب السياسي.
لا جدال بأن مساحة الأمل اتسعت بعد سماع كلمات ممثلي القوى السياسية في الجلسة الأولى العلنية لأنها بشرت بإمكانية الخروج من النفق المظلم بتجاوز الخصومات القديمة والصراعات المحكومة بالأيديولوجيات الفكرية المتسمة بالانغلاق على الذات وضيق الأفق.
على ما يبدو بدأت الآمال تتضاءل نتيجة غياب المصداق والنموذج والأسوة في نطاق فرق العمل المتخصصة وانتقال المتحاورين إلى لب القضايا المعروضة على المؤتمر.
بعض أوراق العمل المقدمة من بعض الأحزاب والتكوينات السياسية دلت على المواقف الانفصالية والنزق الفكري والشطط في المطالب أسلوب التعاطي مع بعض القضايا عكس الضيق بالآخر والرغبة في استهدافه.
الإشكالية أن فكرة الاستحواذ والتفرد بكل شيء تلوح في الأفق وكأنها المسيطرة على إرادات المتحاورين وهو مؤشر غير صحي يكشف بأن الأفكار والاتجاهات ملوثة بسموم المصالح بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهو مبعث التكالب والسباق المحموم على استنساخ تجارب مرفوضة لأنها كانت أساس الاختلالات المنهجية التي عمقت حب التفرد في النفوس على خلفية بعض المشاهد التي أباحت اللجوء إلى أي وسيلة طالما انها ستمكن هذا الطرف أو ذاك من الاستئثار بالواقع وفرض قوة الحضور ومن تلك الوسائل التحكم في مؤسسة الجيش والأمن والمال العام والوظيفة العامة وتحويلها إلى أدوات لتحقيق الغايات والمقاصد الذاتية إضافة إلى الإمعان في قلب الحقائق وتزييف الوعي العام للتأكيد على ان الشخص أو الحزب القابع في سدة الحكم صمام الأمان وحامي حمى الفضيلة والقيم والأخلاق وأنه وحده المجسد لروح المواطنة الصادقة المعبر عن هموم وتطلعات المواطن.
مثل هذا التفكير الانتهازي كان محور المغالطة والمناورة وذر الرماد على العيون ومن ثم فإن مجرد التفكير في السير على نفس النهج لن يكون كابحا للحوار فقط لكنه سيشكل خطرا على مستقبل الوطن والمجتمع.
فالذي يدعي انه الوحيد المتفرد بامتلاك الحقيقة وانه دون سواه الحريص على مصلحة الوطن انما ينطلق من نفس الأفق الضيق الذي يجعل كل طرف يتعصب لوجهة نظره ويعتبرها كل الحقيقة وأن على الآخرين التسليم بمضمونها وأي طرف يعتمد هذا النهج يكشف عن فهمه المغلوط لمعنى الشراكة والحوار السليم الكفيل بتقريب وجهات النظر ومن السهل ان يتحول إلى مصدر للأزمات السياسية والاقتصادية وتفاقم حالة الانفلات الأمني وتأزم الوضع الإنساني.. بالذات الأطراف التي مارست في الماضي القريب أفعال منكرة تتفق مع ثقافة الحروب وخلق الأزمات لضمان المصالح ما يجب أن يدركه الجميع أن هذه المظاهر السلبية كانت أهم دافع لثورة فبراير الشبابية وأن على القوى السياسية أن ترتقى إلى مستوي الحدث العظيم بالحرص الشديد على مواكبة الثورة وترجمة مضامينها السلمية وفاء لدماء الشهداء الذين رووا شجرة الحرية والانعتاق بأغلى ما يملكونه وهي الدماء الزكية.
من هذا المنطلق تتحدد مهمة الحوار الوطني الشامل بحيث يحرص المتحاورون على ترسيخ النهج الديمقراطي وتمثله في السلوك والممارسة ليكونوا قدوة حسنة لتجذير الخيار الديمقراطي في الواقع الحياتي والارتقاء بذهنية المواطن في أدنى مستويات الفهم إلى مستوى فهم أبعاد هذا الخيار الجماهيري حتى يعرف كل مواطن دوره في بناء الوطن ويستوعب أهمية مشاركته في أي انتخابات قادمة على أي مستوى من المستويات ويدرك بأن حسن اختياره للشخص الذي يمثله في أي موقع من مواقع المسؤولية يعني الإسهام في بناء مستقبل الوطن على أساس سليم لا بد أن يعى كل عضو في مؤتمر الحوار عظمة المسؤولية التأريخية الملقاة على عاتقه يجب أن يكون معها أسوة وقدوة حسنة يفكر بعقل الوطن ويتعاطى مع كافة القضايا بمنطق وموضوعية وتجرد من الرغبات الذاتية والمصالح الضيقة ليصبح الحوار محطة هامة يؤسس لمرحلة جديدة يتم فيها إعطاء الأولوية لإعادة الاعتبار للدولة وبناء مؤسساتها الفاعلة والحرص على أن يكون المواطن شريكا وعنصرا

قد يعجبك ايضا