مساحة ضوء
عائشة الطويلي
عائشة الطويلي –
تغلق أبوابها المدينة ..تسارع الأنسام بطي صفحة الأشياء المبعثرة..يلغي الصمت مساحة الضوء. هناك يقبع الإنسان الحي وحيدا بين الأمطار والصقيع, بانتظار أياد تلوح بشروق بطيء, غامض الروح, قلق, متثائب, يرقد تحت قطرات المطر..حتى هو, يقذفه بالبرد, يصرخ في وجهه: عد أدراجك القاحلة!
ثمة جملة من البشر الغائبين عن الضوء مهشمين في زواياه.. حاضرين في غيابهلا تعرف أشكالهم مقاساتهم, مساحاتهم, بينما هم غارقون في انتظار الضوء الخافت إلا من بقعة تحفر بمخالبها حق البقاء, الثبات القاسي !
قريبا..بعيدا..ستخرج نماذج من البشر المعوقين آليا. يغامرون براحة أذهانهم القابعة منذ عهد بعيد, عاجزة,في نوم متعمد وقوة أجسادهم التالفة من تجمد الحركة / البركة.
سيخرجون ليبعثوا لنا الحياة لتستمر هكذا كما نراها كل صباح.. لا نشعر بهم عندما يرحلون/ يبقون!
لا نعي حاجتنا لهم حتى لو غربت أشعتهم عن المكان فهناك صور أخرى ستسقط على المكان تمتلك نفس التقاسيم المتعرجة!
لا تبرق في أعيننا تضحياتهم ولاتلامس أناملنا أياديهم للمصافحة ..يبعدون عنا أمتارا بحساب الزمن, لكننا نبعد عنهم سنوات بحساب القيم.
قلما نهتم لمعرفة أحجامهم..كثيرا ما نجهل هويتهم..هم رفقاؤنا منذ زمن. لا نلتفت لوجودهم لا ننحني نحوهم لرؤيتهم
منسيون إلا من يوم واحد لنحتفي بهم خلف الظلام..واحتفاؤنا لا يغني ولا يسمن من جوع!
فهم عائدون من جديد, يلفون أوجاعهم في أكياس ممزقة, يحملون الألم في أجسادهم يصحبون العوز أينما يصحبهم,
يكتفون إلا من ابتسامة منكسرة خجلى تتمتم: ” لا جديد “!
لم تحتوهم الأفراح إلا من جملة هائلة من الهموم المتراكمة, المتراصة كطابور الصباح!
جملة من الكائنات الحية تعرف أسماها تجهل مستقبلها, تنعي أنفسها, تعيش بنصف رغيف, تنام على الرصيف,
تزاحم بين الدخان, لتحصل على هواء, يوفر لها الحياة, حتى يقيها حالات الاختناق العشوائية, التي لا تطال إلا الضعفاء من الشعب, اليتامى.