الوعي بتزمين الخطاب
صدام الشيباني

صدام الشيباني –
عولت النخب المثقفة كثيرا على مشروع النهضة العربية الذي انطلق القرن الماضي , وتوقف بسبب الأنظمة العربية الحاكمة , إذ كانت هناك نزعات نفسية جبارة لإخراج الوضع العربي من الوحل , وسعت بعض الأنظمة الى عمل إصلاحات في مشروع الثقافة العربية , وانتكست بفعل التآمر العربي – العربي , الذي دمر العقل الانتاجي , وحول المنطقة العربية برمتها الى خيمة عربية واحدة , بعد ان زرع مشروع الأحادية في كل إقليم .
إن مشروع النخبة المثقفة في المنطقة بدأ بتغيير مسارات القراءة , والاتجاه الى المناطق الحساسة في الفكر , ما يتعلق بالسياسي والديني والاجتماعي , للتخلص من الاستبداد والهيمنة , وكان التحول القرائي طريق الحداثة الفكرية , وذلك باستزراع حالات حداثية فكرية , وممارسات سياسية واجتماعية , واستضافة نماذج بشرية مفكرة , مع اختلاف التكوين النفسي الاقليمي , من إقليم الى آخر . واختلاف العوامل الفكرية والمذهبية في التعامل مع التحول القرائي .
إن حالة التطرف العربية جعلت الفكر الحداثي عرضة للتدمير من الداخل العربي , بسبب الزلات والشطحات التي مارسها , بتسميات متعددة , والتي جنت كثيرا على الذات العربية , ومواضيعها , وربما كانت حالة الكذب والزيف والتضليل هي التي تنخر في هذا الجسد ,
إلى ان أودت به في أتون النظام القمعي الظالم / الملكي , والرئاسي , وفي الوضع المذكور غاب العقل , وغابت القراءة المنطقية والضرورية للخروج من الأزمة غيرالواعية العربية في ظل تصادم المشاريع الفكرية في المنطقة .
فحالة القراءة ارتبطت بزمنيتها , مع تكون مشروع الدولة القومية العربية , وحاجات هذه الدولة لتكوين المؤسساتية , والأمن , والاقتصاد , والسيطرة على الأوضاع الداخلية , ولأن الزمنية هنا – تشترط الضرورة والوعي بالضرورة , فارتبطت الزمنية بالقراءة بمساعدة الآخر (الغرب) الذي انسحب من بعض العواصم العربية وسلم النخب المحلية الحكم تحت إشرافه فزمنية القراءة لم تكن عربية محضة بل تدخلت مؤثرات خارجية ساعدت في ظهور هذه الزمنية , وفي الوقت نفسه عملت على تقييدها من الداخل , كما يحدث الآن مع الممالك العربية المجاورة , ففيها زمنية ليست عربية , بل أجنبية وبدونها لن تقوم لها أي أسس بقاء .
إن الانفجار المعلوماتي اليوم ساهم في توسيع (التواصلية) بين الشعوب والشخصيات والنخب , وحدد حجم المشاركة العربية في تكوين الحداثة العالمية , إذ المشاركة أداة وليست غاية , ومع هذا يظل الخطاب الفكري الحداثي مرهونا بحاجة المشاركين والمتواصلين للتفاهم والتخاطب عبر توحيد الأهواء والغايات , والمشاكل والحلول , مع وجود الفوارق الثقافية الكبيرة , بين المنتج والمستهلك.
هذه الحالة فتحت الخطاب على آفاقه , ووضعت النفسيات في أوليات التخاطب بين الشرقي والغربي , والشمالي والجنوبي , فلم يعد شيء مخفيا خلف الخطاب , كل مشارك يعرف حجم نفسه , ويعرف مستواه ويعرف قيمته في سلم الحضارة , فلا يوجد خطاب ناعم , وخطاب خشن , بل تلاقت الخشونة والنعومة معا في خطاب واحد , بزمنيته الحالية .
وفي هذا العالم المتصل هناك حالات تزمين للخطاب , وتزمين الخطاب معناه الحاجة الى ربط الزمن الماضي والحاضر والمستقبل بالقضايا , فكل زمن له استقلاليته , والقضايا تعرف في الخطاب بحاجة الناس الى التعبير عنهم فيها , والى آلامهم وهمومهم اليومية دون تحايل ودوران على حالتهم الثقافية , وتزمين الخطاب فيه الحاجة الى تحديث بعض القضايا العالقة التي جمدها الزمن السابق كالحرية , والمساواة والتعددية والديموقراطية , رغم كثرة الحديث عنها , في الخطابات المتنوعة سياسيا وثقافيا واجتماعيا , لكن التزمين لهذا الخطاب يعمل على تحفيز المناطق اللغوية والنفسية الكامنة في الخطاب , لتحريك القضية وتحويلها من الخطاب الى المتلقي , بواقع أكثر تأثيرا وأمضى عمقا في عمل العقل .
وتزمين الخطاب خلق حالة ما بعد القراءة , وهي الدخول في الخصوصيات الغائرة جدا , وفي الحالات المستعصية في الفكر , لتوفير مرحلة تتجمع فيها الرؤى والأطروحات والممارسات والأفعال ويتم استخلاص ما هو ضروري لخدمة الانسان المقهور من ممارسات الهيمنة , وحالات التشتت الذهني , والعبث المعلوماتي .والأهواء غير الشريفة .
وحالة ما بعد القراءة حالة وعي : أنك تعي خصوصيتك , ولغتك , وتفكيرك ,وتعرف مقاصد تصرفاتك , وميولك , وهي حالة غائمة الى هذه اللحظة , حتى في الدول والإمارات العربية المستقرة , لكن هذه الحالة ستوفر للإنسان مساحة كبيرة لتمييز الفوارق الداخلية والخارجية , العربية – العربية , والعربية – الاجنبية . إذ هي مرحلة تمييز الفوارق والبقاء في هذه المنطقة .
وتزمين الخطاب جعل الحدود بين الأزمنة ( الماضي والحاضر والمستقبل) قائمة حتى يتم الاشتغال ب
