القصور في أداء الجامعات
أ.د. عبد الله أحمد الذيفاني

أ.د. عبد الله أحمد الذيفاني –
القصور في أداء الجامعات, قصور بنيوي منظومي, يأتي من غياب الرؤية ومن بنيان لم يقم على التقوى من أول يوم. فما حدث ويحدث في جامعة تعز هو ذاته الذي حدث ويحدث في بقية الجامعات اليمنية, فلا تكاد تفرق البتة إلا بنسب التنافس على انجاز الفساد بدرجات كمية ونوعية.
فالمشكلة في أصلها أن الجامعة اليمنية لم تؤسس في الأصل على استراتيجية واضحة مبنية على إستراتيجية وطنية للتعليم والتنمية البشرية, بل كان التأسيس محاكاة غير منطقية لجامعة عين شمس في شمال الوطن والتجربة الألمانية في جنوبه..
ومن أهم الجوانب والزوايا المفقودة في بنيان الجامعة اليمنية في لحظات التأسيس وما بعدها معايير اختيار عضو هيئة التدريس الخالصة في وجهها وتوجهها وجه العلم وخدمة التنمية واحتياجات المجتمع, و بحيث تستوعب الجامعات تدريسيين وباحثين وخداما للمجتمع في واحد اسمه عضو هيئة التدريس, بمعنى أن يكون هذا الإنسان بارعا في قاعة الدرس وملما بمادته العلمية ويمتلك قدرات عالية في عرضها وتقديمها وتحقيق تفاعل إيجابي معها من قبل طلبته, ويكون باحثا من الطراز الأول يسهم بقدرات وخبرات ومهارات بحثية في اختيار المشكلات وتحليلها وتقديم معالجات في جانب الوضع الراهن ورؤى وأفكار تطويرية في سياق المستقبل, ويسهم في أبحاثه في التنمية ويحقق شراكة في نتاجه العلمي مع مؤسسات الدولة والمجتمع وبما يجعل الجامعة ورشة تصنع المتغيرات العلمية والتكنولوجية, وتكون عيادة حقيقية للتنمية, ويجعلها في المحصلة جامعة منتجة تؤثر في حركة السوق وتوسع قدراته وتفتح فيه فرصا جديدة على نحو دائم للعمل ويحررها من التبعية البليدة لسوق راكد تقليدي تابع لحركة علمية وبحثية في أقطار احترمت العلم ووضعت الجامعات في أعلى أولوياتها, وأوكلت إليها ومعها مؤسسات ومراكز البحث العلمي مسئولية التغيير النوعي والتقدم في سياقات الحياة المختلفة. ويكون أيضا عضو هيئة التدريس فاعلا في دائرة الفعل الاجتماعي المجتمعي, مسهما في تفاصيل هذا الفعل في سياق تقديم خدمة معرفية وعلمية وفنية واختصاصية لتكوينات المجتمع المختلفة بجهد مؤسسي تهيأه الجامعة بإنشاء مراكز لخدمة المجتمع وتمكن طاقمها التدريسي البحثي, الاجتماعي المتخصص من مد جسور التواصل مع المجتمع وتحقيق المعالجات الناجعة والجذرية لمشكلاته الاجتماعية والثقافية والمهنية بفتح قنوات التنمية البشرية أمام أولئك الذين ضاقت بهم المسافات والمساحات والدروب واضطروا معها إلى اللجوء إلى الأرصفة والطرقات بحثا عن مصادر رزق قد لا تكون مشروعة في جانب منها.
هذا الغياب في معايير أعضاء هيئة التدريس أثر مباشرة ونتج عن غياب الإدارة الأكاديمية المتخصصة المستوعبة لدور الجامعة ومتطلبات انجاز الدور, فقادت الجامعة اليمنية إلى مزالق ودروب لا تمت بصلة إلى رسالة الجامعة ووظائفها, فافتقدت معها الجامعة قدراتها في إنجاز ما ينبغي عليه فعله في سياق هذه الوظائف, والتي تخرج جميعها من مشكاة الدور الرئيس للجامعة, وهو الدور التنموي الذي يجب أن ينعكس نفسه في كل تفاصيل الحياة ومناحيها ومناشطها المختلفة.
وزاد الطين بلة غياب الإدارة الأكاديمية المؤهلة قد أدى إلى غياب الموازنات البرامجية المستجيبة لطبيعة دور الجامعة وخصوصية هذا الدور ومتطلبات إنتاجه على الواقع, وظهر ذلك جليا في العجز والقصور التام في أداء الجامعات في مساقات عملها الوظيفي والمهني بمستويات الأداء البحثي وخدمة المجتمع وتقديم خدمة تعليمية متميزة للطلبة تمكنهم من التأهيل لدور وظيفي وتنموي متخصص في المستقبل.
وتكون المحصلة الدائمة أن الجامعة اليمنية تخرج عناصر بشرية بجناح واحد مهشم معطوب في أحسن الأحوال غير قادر على الإسهام الفعال في خدمة المجتمع وحركة التنمية بروح مبدعة وقدرات عالية وخبرة عميقة.
والله من وراء القصد
