أن تبقى ضيفا في هوية لا تحتملك !

صدام الشيباني


صدام الشيباني –
تنظر المركزية العربية الى إنجازها في هذه المرحلة نظرة المتحسر الذي أدرك الماء ولم يشرب منه شيئا , وبقي على عطشه , لأن هذه المركزية شهدت تحولات كان بإمكانها أن تغير الخريطة العربية لصالحها , وتحول قيمة الحداثة الى قيمة إيجابية تخدم الفكر العربي عامة في كل الأقاليم العربية وكان بإمكانها – أي المركزية العربية – نقد نفسها ومراجعة توجهاتها حفاظا على بقائها واستمرارها , بين قوميات الأرض .
ونحن ندرك أن المركزية العربية تتكون من عناصر ومكونات إثنية ودينية وتاريخية , وجغرافية , تتغير هذه المركزية بتغير القوة في المنطقة العربية , وتتبادل المراكز عوامل القوة والضعف عبر التاريخ , وهذا ما يجعل هذه الجدلية تتسم ب” الهوية العربية” , لأن هناك عوامل بقاء تتجدد , وتتناوب عبر التاريخ .
عندما تكون عوامل القوة في يد العرب نقول إن هناك هوية إنتاجية , وإيجابية , وعندما تكون عوامل القوة في يد الآخرين نقول إن هناك هوية سلبية . حتى لو دخل الاحتلال كل البلاد العربية فهناك هوية -أيضا- مسلوبة , توجد لديها عوامل النهوض إذا أرادت ذلك .
وحال اليمن كحال الأقطار العربية الأخرى , تتأثر بعوامل القوة والضعف , فمرة توجد فيها هوية إيجابية ومرة هوية سالبة , أي تصدر قيما سالبة , ومع ذلك تعد هوية , وتجد عوامل الضعف المعاصرة تسيطر على القارئ في تشخيص الحالة, مما تدخله في دائرة المصادرة للهوية , أي قد تسمع من يقول بانعدام الهوية العربية امام الهويات الأخرى , وانعدام الهوية اليمنية داخل الهوية العربية , وهذا كلام خطير يحمل في طياته أنساقا مضمرة , فمن يقول بانعدام الهوية ,إما متأثر بعناصر الهيمنة الفكرية والعقل المقارن , وهنا ينحاز الى المثالية الثقافية في تصنيف الهويات , وهو معذور لسبب أو لآخر , وإما متحيز لطرف فكري سياسي يريده ان يشغر هذه المساحة التي يراها من وجهة نظره شاغرة , وبحاجة الى من يملؤها , وهذا ليس معذورا لأنه يلغي حضور الإنسان في هذه البقعة من الأرض , ويعين أيديولوجيا ملغيا العنصر الأول في هذه الأرض .
ولو انطلقنا مما تحكيه اللغة في فهم الهوية , لرأينا كيف تعامل خطاب النقوش مع الزمن , في المكان المقصود , هناك شخص كتب على الحجر لغة يعبر فيها عن نفسه , على أنه أنجر عملا ما , حربا, تجارة , قدم قربانا , أو انتصر على أعدائه , مدركا ان هذه اللغة فيها ذات تختلف تماما عن الذات التي ستحلل هذه اللغة المكتوبة , وفيها دفع للذات القارئة لتحريك مواصلة حضور الإنسان وتفانيه مع حياته , بطريقة إيجابية , وتأثيرية تنتقل الى أكبر عدد من البشر , وعبر التاريخ .
فطريقتنا في الكلام تعبر عن وجودنا داخل الهوية , إذا اعتبرنا ان هناك مركزية للعلاقة بين اللغة والهوية وتقودنا هذه الطريقة في الكلام الى التمايز الملحوظ في إطار التماهي والنظر الى التمايز هو الذي يجعل من ناطق الخطاب موقعا لتعيين هوية , وحجم التمايز يبين مساحة العلاقة القائمة في الذات الكلية للهوية .
وفي هذا تشكل النبرة في الصوت والملمح البصري معيارا في النظر الى الذات , ويتم التعامل مع مساحة التشاكل داخل الذات اليمنية , اللغة اللينة , والجهورية , والصارخة ,,, والأسود والأسمر والبني , الأحمر والأبيض , وهذا ما جعل الانقسام داخل الذات واضحا , ومواجها , وهو ما سبب الكثير من حالات التشويش , لأن ذلك استدعى الأصوليات والتاريخ المدفون , والمواجهات , وهذه حالة شعبية لم تتعامل معها النخبة السياسية والمثقفة بحزم , لإلغاء هذه الاختلالات , داخل التشاكل وتجاوزها الى صناعة ذات حقيقية .
إن التباينات المحفزة في الهوية أدت الى اضطراب نفسي عام , خوفا من المصادرة , لأن السلطة السياسية تعمل على عدم مراعاة التمثيل الشعبي التمثيل الصحيح , بل تجتار اعتباطا عناصر وطنية داخل الهوية قد تتسبب في كثير من المشاكل , والأمراض الثقافية داخل الإقليم , وهذه إخفاقات السياسي دائما , التي تسبب إثارة التباينات والنعرات .
ولأن هوية الفرد في المستوى النفسي ترتبط بالمستوى الاجتماعي , فتوجد في المستوى الاجتماعي مساحة كبيرة لاحتواء كل الفرديات , إذا نظرنا الى الهوية على أنها الفرادة , او الذات بامتيازاتها مقابل الآخر , توظف هذه المساحة لامتصاص كل الاحتقانات الثقافية والنفسية , المرتبطة بالهوية , وذلك بالعثور على قاعدة التوازن في القوة التي يتكئ عليها النفسي للشعور برضا الوجود .
في حين ان ثقافة مابعد الحداثة وسعت إطار الهوية , وربطت الفرد بالكوني , ليدخل في فضاء التمثيل الشخصي الذي يكون وعيه الخاص , بعيدا عن الأفكار الكبرى , كالقومية , والديانة , والوظيفة , أي أصبحت الهوية جزءا من المعلومة المتنقلة , والمصاحبة لسياقاتها الثقافية , وبما تقدمه من صورة في التعامل مع هذا الإطار الكوني المفتوح شئنا ذلك أم أبينا , فقد ألغى ال

قد يعجبك ايضا