وسقطت دموعي

نبيلة الشيخ


نبيلة الشيخ –
شئ من الحزن يلف المكا ن… الوقت مسرح فاقد للذاكرة ,
فاقد لطعم الفاكهة …حتى لطعم المانجو الفاقع ….وحتى لطعم الملح ….الوقت صار مجرد مصفاه تتسرب منه الذكريات…إلى ملف في تلابيب ال هنااااااااك ..حيث لاندري أين …حيث لا شئ يستطيع رده … لا نستطيع …برغم أننا نفقد ملف العمر بأكمله …ملف الهوية والجنسية والجهات الأربع ….الأصوات ..تفقد قوامها .. الزقزقات .. الخرير …الموسيقى ..القهقات …وحتى النشيج ..كل شئ ينزوي هناك …يتكور مثل كرة ثلج ..ثم يتدحرج إلى البعييييييد..الصور تتساقط …تتهاوى …صور الأحبة …الأعداء …السماء…الأشجار ….الأطفال حتى صورة البحر بهديره وموجه ولونه والشجن الذي يبعثه …تسقط هي الأخرى.
الألوان تفقد بهجتها …تميزها …تداخلها ..تصبح دون ضحكة ..ولا دمعة …ولا حلم.
هنا مسرح داكن تماما …كشجرة عارية من خضرتها .
وهذا الرجل المسن يواظب على هذه الزيارة كل يوم ….يحمل معه قدميه الواهنتين …ويديه المرتعشتين ..وقلب يتسرب منه شئ ببطء
كما يتسرب ماء من شرخ مزهرية مكسورة ….يرفع الملعقة إلى فم تلك المرأة …التي ما زالت زوجته حتى اللحظة …المرأة التي سقطت من تقويم الزمن …التي سقطت من كل تقاويم الحياة ….إلا من تقويمه ….يرفع الملعقة إلى فمها حتى يفرغ الطبق …فيبدو كأنه يقوم بتراتيل صلاة …وكأنه يمارس خشوعا ترحب به السماء .
أقترب منه وبداخلي رهبة السؤال ..وفضوله …اسأله:
لماذا لا تدعنا نقوم بهذه المهمة .,وتوفر عليك التعب ,فأنت رجل كبير ,ثم أنها لا تدري ما الذي تفعله من أجلها , ولا تعرف حتى من تكون.
ربما كانت نبرات صوتي آسية عليه …لكني شعرت بأنها صخور قاسية تخدش صفحة روحه المرهقة …
أردفت وقلبي يوبخ اقتحامي للحظاته الحميمة هذه وتشويشها بحماقة أسئلتي , أقصد …ما دمت قد أودعتها في هذه المصحة
فتأكد أننا سنهتم بها جيدا…تماما كما نفعل مع كل مرضى الزهايمر …
نظر إلي الرجل وفي عينيه عاصفة ..وكأن كل عمره طفى تلك اللحظة على تلك العينين الموجعöتين …التي غلفتهما الدموع …وأبت أن تسقط…قائلا : إن كانت لا تعرفني فإني أعرف تماما من تكون ..
شئ ما في قلبي كان يسيل بعد كلماته هذه …شئ يشبه تسرب ماء ببطء من شرخ مزهرية مكسورة ….وسقطت دموعي .

قد يعجبك ايضا