الجامعة وأوراق اليانصيب
عباس السيد
عباس السيد –
يهرع الآلاف من الطلاب نحو الجامعة فور سماعهم عن فتح باب التسجيل وهناك يتبين لهم أن « باب « التسجيل ليس سوى «خرم « صغير لا يمكن النفاذ منه إلا بمعجزة .
تنقسم عملية التسجيل إلى مراحل عدة وتبدأ بمرحلة التنسيق التي تدار على طريقة شركات اليانصيب حيث يتم فيها استهداف أكبر عدد من الطلاب من خلال بعض الشروط الميسرة كتخفيض معدل النجاح في الثانوية العامة إلى 85 في المائة لمن يرغب في الالتحاق بكليات القمة .
كلية الطب والعلوم الصحية بجامعة صنعاء تعلن على طريقة باعة الأرصفة :
« كله على 85 .. الطب البشري 85 الأسنان 85 الصيدلة 85 المختبرات 85 « .. نحو 8 آلاف طالب تدافعوا هذا العام للدخول في عملية التنسيق للالتحاق بأقسام الكلية المختلفة بينما تبلغ الطاقة الاستيعابية لجميع التخصصات حوالي 500 مقعد ـ على ذمة مسؤلي الجامعة.
دفع كل طالب 2000 ريال كرسوم تنسيق وبعضهم كرر المحاولة مرة أخرى في المختبرات والتمريض التي تتأخر عملية التنسيق فيها إلى ما بعد إعلان أسماء المقبولين في الطب البشري والأسنان والصيدلة .. جمعت الكلية في عملية التنسيق حوالي 15 مليون ريال ما يساوي ثلاثة أضعاف المبلغ الذي ستحصل عليه من رسوم تسجيل الطلاب الخمسمائة المقبولين « بواقع 10 آلاف ريال عن كل طالب «.
لا أدري كيف يتوصل الطالب الحاصل في الثانوية على 85 % أو أكثر إلى حسم خياره للتنسيق في هذا التخصص أو ذاك « طب بشري أم أسنان أو صيدلة « طالما أن الجميع تشترط نفس النسبة والقبول مرهون بنتيجة امتحان القبول الذي يعقد في يوم واحد للثلاثة التخصصات وإذا فشل في الامتحان لن يتبقى أمامه سوى خيار المحاولة مرة أخرى بشراء بطاقة يانصيب جديدة في المختبرات أو التمريض أو أي كلية أخرى .
لماذا لا نساعد الطالب في حسم خياراته من خلال تحديد نسب محددة لكل تخصص بحيث نحصر التنافس في الطب البشري بين الحاصلين على 94 % وما فوق وفي الأسنان بين الحاصلين على 92 % و 90% للصيدلة .. على سبيل المثال .
لا يرى مسؤلو الجامعة في نتيجة الثانوية العامة معيارا حقيقيا لقياس مستوى الطالب ويأتي هذا كواحد من مبررات نظام القبول في الجامعة ولكي نقف على مدى صوابية هذه النظرية علينا أن نتأمل في نتيجة القبول والمفاضلة بالطب البشري لهذا العام والتي أفضت إلى قبول 102 طلاب من بين أكثر من 3500 طالب تقدموا لامتحان القبول سنجد أن 97 طالبا من المقبولين هم من الحاصلين في الثانوية على معدلات فوق التسعين بينما خمسة طلاب فقط كانت معدلاتهم بين 87 % و 89,75 % . مع العلم أن المتقدمين للجامعة هذا العام هم من خريجي الثانوية لعام 2011 م « المشهور بأنه شهد حالات غش واسعة « وقد جاء إضافة طالبين من ذوي الثمانينات فوق الطاقة الاستيعابية المحددة بـ 100 مقعد للإيحاء بمصداقية نظرية الجامعة وأن شعار « كله على 85 « لم يكن للترويج فقط .
ألا تستدعي هذه النتيجة الجامعة إلى إعادة النظر في شروط القبول ¿ وهل تقوم إدارة الجامعة بتحليل هذه النتائج ودراستها لتقييم نظام القبول وإمكانية تطويره أم أنها معنية فقط بتطوير العائدات المالية ¿
ألا يكفي الجامعة أن يتنافس ألف طالب من الحاصلين على معدل لا يقل عن 94 % على 100 مقعد في الطب البشري ¿ يعني لازم تكون المعركة بين الطلاب شرسة ومثيرة كي يتسلى بها مسئولو الجامعة على الطريقة الرومانية .
إن استخدام ماكينات للتصحيح تعمل بسرعة 450 ورقة في الساعة ـ بحسب تصريحات مسؤولي الجامعة ـ لا تعني تطوير آلية التنسيق والقبول بقدر ما تعني الاستمرار في نفس النظام وبيع أكبر عدد ممكن من بطاقات اليانصيب في عملية التنسيق .. ماكينات التصحيح تذكرنا بعبارة عادل إمام في فيلم عنتر شايل سيفه : « الساعة بخمسة جنيه والحسابة بتحسب « .
قد تبدو المبالغ التي تتحصلها كليات الجامعة كرسوم تنسيق ضئيلة في حساب الموازنات والنفقات لهذه الكليات ولكن عندما يتم التصرف بهذه المبالغ أو معظمها كمكافآت للقائمين على عملية التنسيق « موسم رزق « فإن التقديرات هنا ستكون مختلفة .. كما أن المدافعين عن» نظام اليانصيب « سيزداد داخل الجامعة مثلما ازداد دفاعهم عن نظام التعليم الموازي وتمكنوا من إقناع الرئيس والحكومة بضرورة بقائه !
انتهت عملية بيع اليانصيب في الطب وانتقلت إلى الهندسة وقد تم بيع أكثر من 6 آلاف بطاقة يانصيب والمحظوظون لن يتجاوزوا 310 فقط .
aassayed@gmail.com