بلاغة التوهج في‮ ‬«تباريح ‬وأمكنة»

دإبراهيم أبو طالب‮”


د/إبراهيم أبو طالب‮” –
‬تظل البلاغة‮ – ‬كما رآها العرب وعرفوها عبر عصورهم المختلفة هي‮ ‬مخاطبة القلب للقلب‮ ‬ومناجاة النفس للنفس‮ ‬و”بلوغ‮ ‬الرجل بعبارته كنه ما في‮ ‬قلبه‮”‬‮ ‬وفي‮ ‬تعريفاتها الكثيرة عند أقطابها من البلاغيين أنها‮ “‬كل ما تبلغ‮ ‬به قلب السامع فتمكنه في‮ ‬نفسه كتمكنه في‮ ‬نفسك‮” ‬بل هي‮ ‬بتعبير آخر أكثر تحليلا‮ ‬ووضوحا‮ ‬بلوغ‮ ‬الكلام إلى منتهاه‮ ‬حيث‮ ‬ينتهي‮ ‬المعنى إلى قلب السامع فيفهمه‮ ‬وهي‮ ‬كما‮ ‬يعرفها السكاكي‮ ‬صاحب كتاب مفتاح العلوم‮ “‬ت626هـ‮” ‬بلوغ‮ ‬المتكلم في‮ ‬تأدية المعاني‮ ‬حدا‮ ‬له اختصاص بتوفية خواص التركيب حقها‮ ‬وإيراد التشبيه والمجاز والكناية على وجهها‮”.‬
تبرز للقارئ هذه الدلالات حول البلاغة وفنونها وصورها حين‮ ‬يقرأ في‮ ‬نصوص حاتم علي‮ ‬المفتوحة التي‮ ‬اختار لها ما‮ ‬يدل على توهجها البلاغي‮ ‬أناقتها اللفظية بعنوان معبر دال على المحتوى كعتبة نصية صادقة‮ ‬ومختزنة لما سيأتي‮ ‬في‮ ‬نصوصها من‮ “‬تباريح وأمكنة‮” ‬وبالنظر في‮ ‬معنى التباريح في‮ ‬قواميس اللغة ندرك أن من معانيها‮: “‬كلف المعيشة في‮ ‬المشقة والشدة‮”‬‮ ‬ونصوصه فيها قدر من التعبير عن هذه الكلف‮ ‬وفي‮ ‬معناها اللغوي‮ ‬أيضا‮ ‬يقال‮: ‬تباريح الشوق أي‮: ‬توهجه‮” “‬ينظر المنجد في‮ ‬اللغة والإعلام‮ ‬مادة‮: ‬برح‮”.‬
ولعل‮ ‬التوهج واحد من أهم جماليات نصوص حاتم علي‮ ‬ثم إن الأمكنة التي‮ ‬تعطف على التباريح تكتسب توهجها من شقيقتها فيعمها الشوق ليس بسبب الغربة أو البعد ولكنه توهج الحنين والحضور من الداخل‮ ‬وهو حضور على مستوى المكان‮ ‬كمفردة‮ “‬صنعاء‮ ‬الوطن‮ ‬ومشتقاته‮… ‬وغيرها‮” ‬وحضور على مستوى الإحساس بالمكان الذي‮ ‬لا‮ ‬يغادر صاحبه المشتاق الوفي‮ ‬إليه لأنه لا‮ ‬يسكن فيه بقدر ما‮ ‬يسكنه المكان كتيمة واضحة مرتبطة بحاسة الحضور وحساسيتها في‮ ‬آن‮ ‬وكلا الدالين‮: ‬التباريح والأمكنة حاضرتان بقوة في‮ ‬نصوص هذه المجموعة المتميزة التي‮ ‬كان الكاتب‮ / ‬الأديب ذكيا‮ ‬مدركا‮ ‬من البداية للحيرة التي‮ ‬سيضع فيها النقاد في‮ ‬تصنيفهم لعمله‮ ‬فقد وضعهم في‮ ‬حيرة المدخل حين فتح نصوصه على أفق واسع محلق على النوع بل وعابرا‮ ‬له‮ ‬وإن كان ولا بد من التصنيف الذي‮ ‬ربما‮ ‬يكون من أولى مهام القراءة العلمية والنقد‮ – ‬كما هو ثابت‮ – ‬أحد أوجه العلم‮ ‬فنحن سنفطن إلى حيلة التجنيس التي‮ ‬حاول الكاتب أن‮ ‬يصرفنا عنها بعنوانه الفرعي‮ ‬التوضيحي‮ ‬على الغلاف الخارجي‮ “‬نصوص مفتوحة‮” ‬وهي‮ ‬حيلة ذكية وفي‮ ‬ذات الوقت مراوغة‮ ‬ولكن لا مناص من القول بأن كتاب حاتم علي‮ ‬المكتنز الدلالات البليغ‮ ‬العبارات المراوغ‮ ‬عن التجنيس‮ ‬يمكن للقارئ المدقق فيه‮ ‬إن رام التصنيف النوعي‮ – ‬أن‮ ‬يجعله وبحسب ترتيب المؤلف وتقسيمه على ثلاثة أجزاء‮: ‬
الأول‮: “‬وهو بلا عنوان محدد جامع‮” – ‬يحتوي‮ ‬نصوصا‮ ‬موجزة مكثفة ذات انزياحات في‮ ‬المدلول‮ ‬يمتاز بما‮ ‬يمكن أن تمتاز به قصيدة النثر من شعرية الصورة‮ ‬والبناء المكثف حد التوهج في

قد يعجبك ايضا