ملهاة بطلها لص !

جمال أحمد الظاهري

 - أن تعيش دون هدف ودون طموح فهذا يعني أنك قد بلغت مرحلة لم يعد يجدي فيها أن تتعب وتشقى أو أن تجهد فيها ذهنك أو أنك قد اكتفيت بما حققته أو أنك قد انتقلت من مرحلة الرغبة في تحقيق إنجاز جديد إلى مرحلة الاستمتاع بنتائج ما
جمال أحمد الظاهري –
أن تعيش دون هدف ودون طموح فهذا يعني أنك قد بلغت مرحلة لم يعد يجدي فيها أن تتعب وتشقى أو أن تجهد فيها ذهنك أو أنك قد اكتفيت بما حققته أو أنك قد انتقلت من مرحلة الرغبة في تحقيق إنجاز جديد إلى مرحلة الاستمتاع بنتائج ما حققته وفي هذا الحالة هناك هدف من نوع آخر وهو التمتع وربما مراجعة مسيرتك السابقة.
أن تعيش كل يوم حلما جديدا وطموحا بتحقيق انجاز أكبر من الذي حققته فهذا يعني أنك إنسان ناجح وطموحاتك ليس لها حدود أما أن تخاف أن تحلم فذاك يعني أن هناك اقدارا أو آخرين قد سلبوا منك حق العيش الطبيعي وأنك قد استسلمت ورضيت بالعيش على الهامش دون حقوق أو دون خيارات فأنت في هذه الحالة حي كميت والسلام وحياتك صارت مراوحة في العدم.
يعاني هذه الأيام نسبة كبيرة من المجتمع اليمني من حال العدمية التي سلبتهم الحق في الحلم والطموح فمع كل يوم تودعنا فيه أشعة شمسه الذهبية عند المغيب كي تترك مكانها لوهج وضياء قمر الليل تتضاءل أحلامهم وتتقلص طموحاتهم وتتكسر كتكسرأشعة الشمس على صفحات الماء الصافي لأن ما كانوا يحلمون به في الأمس يتنازلون عنه مع انتصاف اليوم الذي يليه فيضطرون مكرهين إلى استبدال أحلام أمسهم بأحلام جديدة أكثر تواضعا كي تنسجم مع الحالة المنحدرة للوضع العام التي لم تجد من يفرملها أو يخفف من سرعة إنحدارها.
نعم حتى الأحلام هذه الأيام قد غزتها وتحكمت بها البورصة السياسية التي لا يستقر لها حال ولا يهدأ لها بال .. بل إنه صار لها القول الفصل في ارتفاع وانخفاض حرارة العلاقات الانسانية وأكثر من ذلك صارت المؤشر الرئيسي لمستوى الانسجام الذي يتحلى به كل فرد مع نفسه ومع أفكاره وطموحاته وكذلك احلامه.
وما على من يريد التأكد من ذلك إلى أن يدون بعض من همومه وأحلامه في أول النهار ويراجعها في آخره ليعرف مدى التغير الذي طرأ عليها سلبا أو ايجابا أو أن يدونها قبل متابعته الشاشة اللعينة وما تبثه القنوات الفضائية من أخبار ومراجعتها بعد المشاهدة ليكتشف الحقيقة التي فرضتها هذه الشاشات الملونة ومدى تغلغلها في تفاصيل حياتنا اليومية فمثلا ذاك (الشريط الملعون) الذي استوطن أسفل الشاشة في اغلب القنوات كلص استهوى سرقة لحظات المتعة القليلة التي تبحث عنها عندما تشاهد بعض البرامج فإنه يلاحقك متحينا فرصة مطالعتك لهذه الشاشة وإن حاولت الهروب منه بالتنقل بين القنوات فإنه يلاحقك أينما ذهبت.
نعم إنه لص ليس ككل اللصوص, إنه لص متخصص في سرقة ما عجز جميع لصوص الأرض عن سرقته لص (يسرق كحل العين) كما يقولون نعم فذاك الملعون القابع أسفل الشاشة يسرق نظرك ويجبرك على قراءته ومتابعة جديده, مغتصبا منك تلك اللحظات الممتعة التي هربت منه إليها مستبيحا لكل حقوقك ومنها حقك في أن تحلم.
هذا (اللص) الخبيث قد وجد متعته في مشاهدة ضحيته وهي تتعرض للسرقة وصار مولعا برؤية وتفحص قسمات وجوه ضحاياه وتلك الأخاديد التي حفرتها انقباضات عضلات وجوههم وتلك الكنزات التي استوطنت بمحاذات عيونهم حين تسترسل في انقباضاتها وتمددها كلما مرر هذا الشريط الدموي أمام حدقات تلك الأعين خبرا عن مجزرة هنا أو مذبحة هناك وعن عدد الضحايا الذي لا يمل في تجديده.
حتى حين يطالعك بين الفينة والأخرى بخبر تعتقده للوهلة الأولى سارا فإذا ما رجعت الى نفسك وتمعنت فيه بعمق فإن أمعاءك ستسرع من انقباضاتها وستصاب بعسر في الهضم لأنه وإن كان ظاهره يحمل بشائر بالإنفراج هنا أو اتفاق هناك فإنه لا معنى لذلك غير أن من تسبب في أذيتك وسرقة أحلامك وقتل التفاؤل عندك قد اتفق على تقاسم مستقبلك مع من هددك بقتل أطفالك أو ترميل زوجتك أو هدم منزلك.
إنها سخرية القدر الذي اغتصبه (الحثالة) في لحظات الغفلة التي عشناها (حلما) ليس أكثر وتنازلنا أو عم علينا الزامية عيشها واقعا والمشاركة بأحداثها وبأدق تفاصيلها إن هذه الحال العبثية مدعاة للرثاء في خبرها السار مثله مثل الخبر المحزن: فهل نستطيع مع كل هذا الكم من الأخبار والأحداث التي وقودها إما من دمائنا أو جيوبنا ومدخراتنا أن نحلم (فقط) نحلم وإن كابرنا وداومنا على الحلم .. فبماذا سنحلم¿
هل نحلم بأن يزور منازلنا التيار الكهربائي لبضع ساعات في اليوم كي يتمكن أبناؤنا من مراجعة دروسهم قبل الذهاب الى قاعات الامتحان أم نحلم بشربة ماء نقية هل هذا ما كنا نأمله ونرجوه حين هتفنا مطالبين بدولة مدنية. إنها قصة الحياة اليومية لشعب قبل بالقليل فعز عليه الأقل إنها ملهاة بطلها العبث

قد يعجبك ايضا