النوم سلطان .. فقد عرشه
محمد عمر كويران
محمد عمر كويران –
كان القدماء يعيشون على الفطرة فيستيقظون حين تشرق الشمس وينامون حين تغرب أما منذ اكتشاف النار ثم اكتشاف الكهرباء فقد تداعت مظاهر المدنية الحديثة التي تحيط بنا من كل جانب فأصبح رنين المنبه عادة يدمنه أهل المدن الكبرى للاستيقاظ من نومهم وبينما تمتد أصابع النائم المرتجفة لإيقاف هذا الرنين فإن جسمه يعلن حالة الاستنكار لهذا الاسلوب المزعج في الاستيقاظ ويدعو صاحبه للمزيد من النوم بعدما قضى ما بين 17 إلى 18 ساعة من اليقظة شبه المتصلة والعمل الشاق المتواصل أو التنقل من مكان إلى مكان حتى يتداعى الجسم على السرير في آخر اليوم طلبا للراحة والسكون .. وقبل أن ينام الإنسان لا ينسى أن يضبط المنبه على موعد الاستيقاظ في اليوم التالي .
إن النوم ضرورة حيوية مثل الأكل والشرب بل قد يفوقهما أهمية ولكن كم من الناس يدرك هذه الحقيقة ويتجاوب معها ¿ . فمع سرعة إيقاع العصر والضغوط الاقتصادية وتكالب الناس على العمل للوفاء بمتطلبات حياتهم أو الاستزادة منها فإن المجتمعات قد تحولت إلى العمل طوال النهار إما وسائل الترفيه المختلفة فتعمل على إجبار الناس على السهر لفترات طويلة من الليل سواء داخل البيت أو خارجه وتتضافر عوامل كثيرة على تكريس هذا النمط الخاطئ الذي ينتج عنه حصول الإنسان على قدر من النوم أقل مما يفي بحاجات جسمه مما يجعله عرضة لمخاطر كثيرة .. فالإنسان العادي يجب أن يحصل على 8 ساعات متصلة من اليوم يوميا حتى يستعيد نشاطه و حيويته و يصبح قادرا على ممارسة حياته في صحة جيدة أما الأطفال فيحتاجون إلى أكثر من تسع ساعات ونصف الساعة .
وأول علامات قلة النوم هو الاعتماد على جرس المنبه للاستيقاظ وثاني العلامات هو الاستغراق في النوم العميق خلال أقل من 5 دقائق من وضع الرأس على الوسادة في حين أن هذا الزمن بالنسبة للشخص الذي أخذ كفايته من النوم لا يقل عن 10 إلى 15 دقيقة . وإذا قل النوم عن المعدل المطلوب فإنه تحدث آثار خطيرة ابتداء من فقدان التركيز و انعدام الدقة في الأداء وتشوش التفكير و مرورا بالهياج العصبي والثورة الواضحة في التعامل بين البشر خاصة في المدن المزدحمة والصاخبة وانتهاء بالكوارث الفظيعة مثل حوادث الطرق و إصابات العمل و الأخطاء المهنية الفادحة وغيرها . ويذهب بعض العلماء إلى أن قلة النوم وما يتبعها من آثار لها نفس خطورة أمراض القلب .
وتزداد نسبة هذه المخاطر بالنسبة للأشخاص الذين يعملون في دوريات الليل حيث تنعكس لديهم الدورة الطبيعية للنشاط بين الزيادة والنقص فالشخص العادي الذي حصل على قدر كاف من النوم يصحو صباحا وهو في أوج نشاطه ثم يتناقص النشاط بعد الظهيرة ثم يعود إلى معدله في أول المساء قبل أن يتهاوى بين منتصف الليل والفجر . فإذا انعكست هذه الدورة الطبيعية نجد الإنسان يحاول تعويض ساعات نومه الليلية بالنهار ولكن الأمر مختلف فالنوم في أثناء النهار لا يفي بحق الجسم من الراحة لذلك تزداد الخطورة على هؤلاء الأشخاص فتراهم أكثر عرضة لأزمات القلب و أمراض الجهاز الهضمي و قرحة المعدة والإرهاق العصبي والنفسي كما تتضاعف الأخطاء المهنية التي يتعرضون لها بل أن أحد الدراسات أثبتت أن معدل وقوع حوادث الشاحنات يتضاعف 10 مرات بين الساعة الرابعة والسادسة صباحا .
صحيح أن هناك أسبابا أخرى لقلة النوم مثل حدوث تقلصات عضلية بالقدم توقظ النائم أو ضيق التنفس الذي يعانيه بعض البدناء أو الشخير الذي يمنع الإنسان من الاستغراق في النوم أو القلق من المشكلات المادية أو العاطفية ولكن أغلبية الأسباب تعود إلى نمط الحياة الحديثة الذي يدفع الناس للسهر أغلب ساعات الليل والمحزن أن هذا النمط يزداد و ينمو خاصة بعد انتشار المحطات الفضائية المختلفة التي يستمر إرسالها 24 ساعة متصلة دون توقف . والمشكلة أن كثيرين من الناس ينظرون إلى السهر أو قلة النوم على أنه وسام جدارة على صدر من يعانيه دون إدراك منهم بخطورة وضعهم .
قال الله تعالى في سورة النبأ «وجعلنا نومكم سباتا وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا» صدق الله العظيم .