الغرب والإسلام.. مقارنة تاريخية في الفكر السياسي

عرض خليل المعلمي

عرض/ خليل المعلمي –
,يقول المؤلف بأن أسلوب التفكير الديني أو الثقافي العام أكثر أهمية على المدى البعيد من مذاهب معينة
صدر حديثا عن سلسلة عالم المعرفة الترجمة العربية لكتاب «الغرب والإسلام» لمؤلفه «انتوني بلاك» وترجمة الدكتور «فؤاد عبدالمطلب» ويقدم الكتاب مقارنة تاريخية في الفكر السياسي إذ يتفحص المقاربات الغربية والإسلامية لعلم السياسة والقواسم المشتركة بينها بالإضافة إلى مواطن التفرع والاختلاف ويدرس هذا الكتاب كيف تطورت الأنساق الفكرية القديمة والقروسطية المختلفة وكيف نظر إلى الملكية المقدسة وشرعية الدولة ودور الشعب في كل ثقافة.
ويقول المترجم فؤاد عبدالمطلب: يرى الدارس المدقق أنه لا الفقهاء ولا الفلاسفة المسلمون نجحوا سياسيا في إيجاد آلية شاملة أو اقتراح أسلوب عملي واضح يلزم الحكام ويفرض على أصحاب السلطة والنفوذ الالتزام بمبادئ الحق والعدل والشورى ويقيد سلطتهم المطلقة ليس عن الظلم والاستبداد فحسب بل أيضا عن الخروج بعضهم على بعض وتبديد طاقات الأمة وجيوش المسلمين في الحروب الداخلية أو الشخصانية سعيا منهم إلى إنجاز التغلب الذي يعطيهم شرعية آنية «استثنائية» أو «اضطرارية».
مشيرا إلى أن الموضوع الأساسي هو النظر في المشكلة السياسية التي يمكن أن تعد سببا رئيسا وخطيرا في ضياع الماضي ووضع انجازاته العلمية الرائعة على رفوف المكتبات من جهة وفي خلق شكلاتنا في العصر الحديث.
ويضيف: لم تأتي إنجازات الحضارة الغربية نتيجة فعل مفاجئ أو تقدم طبيعي بل ثمرة جهود مستمرة وكفاح مرير ذات اوروبا من بناء دولتها الحديثة وترسيخ قواعد المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقانونية لمعالمها التي حققت المصالحة الوطنية ودعمت سبل التماسك والاستقرار في الدولة والمجتمع.
ويركز المؤلف أنتوني بلاك في هذا الكتاب على الفكر السياسي في الزمن الذي يحدده منذ بروز الإسلام وصولا إلى أيام الإصلاح الأوروبي شارحا أنواعه منذئذ وحتى أيامنا هذه من خلال النقاش حول أنه حتى منتصف القرن الحادي عشر الميلادي كان لدى الحضارات الثلاث البيزنطية والإسلامية والأوروبية كثير من الأمور السياسية والدينية المشتركة وأكثر مما هو معتقد عادة وأن الأمر الذي جعل الغرب مختلفا هو الثورة البابوية التي حدثت في نهاية القرن الحادي عشر والنهضة الأوروبية في القرن الثاني عشر والعلمنة المتدرجة التي أتت بعد ذلك بينما كان الإسلام بعد مرحلة تفتحه ونضجه الأولى يقوم بتفسير وحيه على نحو ضيق تدريجيا وبغض النظر عن استثناءات رئيسة قليلة مثل ابن رشد وابن خلدون فإن الفلسفة الإسلامية السياسية اتسمت بالتدهور بعد القرن الحادي عشر تقريبا.
وحين نجد أن «انتوني بلاك» يقارن بين الإسلام كنظام حكم مرتكز على اشتراك جميع المؤمنين في سلطة الخلافة الخاضعة للنص والديمقراطية الغربية التي تقوم على سيادة الشعب نعلم أنه ينظر إلى الخلافة الإسلامية بمفهومها السلطوي المعروف خلال التاريخ الإسلامي لذلك كان إسقاط المفاهيم والمبادئ السياسية الأوروبية الحديثة عليها لا يخدم الغاية من البحث التاريخي السياسي المقارن ولقد جاءت تلك المؤسسات والمبادئ والأيديولوجيات الغربية وليدة تحولات اجتماعية وثقافية وثورات صناعية خاصة بالمجتمعات الأوروبية غير أن «بلاك» تناسى أن الحضارة الغربية أفرزت أيضا النازية والفاشية والتفرقة العنصرية والاستعمار بمختلف أشكاله والحروب العالمية واستخدام الأسلحة النووية وغيرها من الأخطار والكوارث المروعة للجنس البشري.
ويفضل «بلاك» موضوع المقارنة بين الإسلام والغرب وإلى جانب ذلك يركز على موضوع الاستمرارية عندما يمعن النظر في هذين القطبين الحضاريين ويرى من البداية أن الغرب والإسلام بوضعهما كيانين سياسيين يختلفان في سمات أساسية متأصلة بالولادة وهذه تمنح تأثيرات يمكن التنبؤ بها في عملية نموهما عبر الزمن بطريقة منطقية متجانسة قليلا أو كثيرا وعندما يتحدث عن الإسلام بوصفه حضارة يذكر أنه «يمتد على جانبي الحافة التاريخية بين الحكومات المكية القديمة وتفكيك الدولة في عالمنا ما بعد الحداثة»
ومع أن الفترة التي يركز فيها الكتاب تمتد مابين 632م- 1450م فإن الفصول الستة الأولى من الكتاب تعالج مواضيع محددة وتنبثق من مادة البحث نفسها وهي مصممة للعمل على نحو متساو من أجل دراسة الغرب والإسلام وبيزنطة ومن الصعب ابتكار مقولات لا ترتبط مع ثقافة واحدة أكثر من الأخرى وضمن هذه الفصول كلها تتم معالجة المواضيع بالترتيب الذي جرى التعبير عن الأفكار فيه تعالج الفصول من السابع إلى التاسع تسلسلا تاريخيا مستمرا إذ يبحث الفصل السابع تأثير الثورة البابوية في الفكر السياسي والتطورات المماثلة في العالم الإسلامي ويتفحص الفصل الثامن تطور الفكر السياسي في الغرب منذ القرن الثاني عشر فصاعدا ويدرس الفصل التاسع تأثير الغرب في العالم الإسلامي وروسيا.

قد يعجبك ايضا