العتـبـات الشــعـريــة .. المفــهوم والتشــكيـل

فارس البيل-القاهرة

فارس البيل-القاهرة –
تحقق العتبات الشعرية أفضلية في مكونات الفضاء النصي ذلك لأن العتبة كينونة مصاحبة وشرطية لكينونة النص فلا نص بدون عتبات ولا العكس فالعتبات مكون جوهري في كينونة النص وكينونته مستمدة منها أيضا حيث تتبلور طبيعة أي منهما وتتحدد ماهيته ومبادئه في ضوء علاقته الجدلية بالآخر وفي ظل تداخله وتكامله معه.
من هنا تنبثق دراسة د.صادق القاضي ” عتبات النص الشعري المعاصر ..دراسة دراسة تطبيقية على نصوص مختارة ” وتنطلق أيضا في بحثها وتنقيبها في عتبات النص الشعري على اعتبار أن العتبة ليست مجرد مدخل أو مخرج أو إشارة مرور أو وسيلة مواصلات نصية إنها كما توضح هذه الدراسة – فضلا عن الأوصاف الإنشائية لتجلياتها الوظيفية – عنصر شرطي لبناء النص وعنصر ضروري لتلقيه وكعتبة الدار لا يمكن تجاهلها أو النفاذ من دونها كما لا يمكن حذفها من مخططات البناء وفصلها عن الخصائص البرجماتية والجمالية المعمارية فهي جزء لا يتجزأ من النص هذا الكائن المتخلق – بالضرورة – على أساس تكامل عضوي بين المتن والعتبات.
وبالرغم من الاضطراب والتعدد الاصطلاحي والمفهومي لتحديد العتبة تبعا لكون العتباتية ظاهرة نصية وتناصية ترتبط بتحديد ماهية النص أولا فإن هذه الدراسة تضع رؤية مبدئية للعتبات باعتبارها ظاهرة تتحقق في أي “عنصر بصري أو صوتي أو ذهني أو سياقي.. مصاحب للمكون اللغوي للنص (المتن) بشكل وظيفي يؤثر في تشكيل بنية النص وفي عملية تلقيه وتحليله وتأويله..” وبشكل تمثيلي فإن عنصرا ما ربما كلمة أو إشارة أو رمزا أو أيقونة أو لونا يمكن أن ينال استحقاقا عتباتيا إذا ما صاحب النص بشكل مخطط وهادف.
على أن البحث والتنقيب في العتبات هو تنقيب يجري في صميم العملية النصية والشعرية نفسها في الشكل والمضمون والقيمة والماهية والوظيفة والخصوصية ومع ذلك فله غواياته المحرضة على الاشتغال عليه بحثا عن إجابات وربما عن مزيد من الأسئلة التي تزجي الحراك النقدي بما يثري أو يعمق الرؤية والممارسة النقدية والشعرية معا.
لأجل ذلك عمدت الدراسة إلى الانفتاح على المناهج النقدية المختلفة حداثية وما قبل وبعد حداثية بالشكل الذي اقتضته طبيعة النص الشعري في انفتاحه خارج بنيته على مختلف انساق الحياة والكتابة والفن كما أملته طبيعة الخطاب العتباتي في محافله المؤسسة على تكامل الشاعر والشعر والمتلقي والأنساق والمحافل المتكاملة والفاعلة بشكل جوهري في صناعة الشكل والبنية النصية والعتباتية للرسالة النصية والشعرية.
وبشكل خاص تبنت هذه الدراسة المشروع النقدي للناقد الفرنسي جيرار جنيت الماثل في مؤلفاته “مدخل إلى النص الجامع” و”طروس” الأدب على الأدب و”عتبات” وهذا الأخير دراسة خاصة بالعتبات قدم عبدالحق بلعابد قراءة شارحة تفصيلية ومختصرة عنه في كتاب “عتباتج جنيت من النص إلى المناص”.
كما أفادت الدراسة من نتاجات الحراك النقدي الذي أحدثه مشروع جنيت مؤخرا في الوسط النقدي العربي حيث صدر عدد كبير من المقالات وقليل من الكتب التي تعرضت له منهجيا وتطبيقيا.
وفي ضوء حقيقة أن الظواهر والأساليب والخصائص الفنية والإبداعية هي حصيلة مقارنة بين متغيرات الأعمال والتيارات والعصور والأجناس الفنية والإبداعية اتكأت الدراسة ومن زاويتها العتباتية على مجالات وأدوات المقارنة للبرهنة والاستدلال على خصائص الشعرية المعاصرة كامتيازات فنية ونوعية وثقافية وعصرية وإنتاجية وتداولية لا يمكن تحريها والتأكيد عليها دون أدوات المقارنة التي اقتضت في سياقات المعالجات العتباتية الالتفات إلى الأبعاد التاريخية والأجناسية والثقافية للمفاهيم والظواهر الأدبية والعتباتية لرصد تناميها وتحدرها ومن شأن كل ذلك مراكمة رصيد من المعطيات المهمة التي تمكن من تأصيل وتفسير وتأويل وحل إشكالات وقراءة ظواهر الشعرية المعاصرة وفق رؤية أعمق وأكثر اتساعا.
في إطار ذلك كله فقد استطاعت الدراسة أن تتحول إلى مختبر نقدي لجملة من الفرضيات المتعلقة بموضوعها وجوانبه التي تتسلسل حسب تسلسل مفردات عنوانها الذي يبدأ بسؤال العتبة وينتهي في حيثيات المعاصرة.
وبشكل أعمق فقد اشتغلت الدراسة على معالجة واختبار منهجية الفرضية المركبة المتلخصة في أن: النص الشعري العربي المعاصر ليس كذلك إلا بفعل منظومة عتباتية متكاملة لها عناصرها وعواملها ومعطياتها التي تبئر لخصائصه وخصوصياته النصية والجنسية والنوعية والوظيفية والتداولية وتدفع المتلقي إلى النظر إليه والتعاطي معه كنص شعري عربي معاصر.
تبعا لذلك اعتدت الدراسة اختبار عينة تطبيقية تعبر في جانبيها الكمي والكيفي عن الشعرية العربية المعاصرة في بعض من أهم رموزها ونماذجها وأكثرها تمثيلا لخصائص المعاصرة الشعرية العربية في ممارسة الجنس الش

قد يعجبك ايضا