مائة عار من العزلة

بشير المصقري


بشير المصقري –
يلزم المثقف اليمني حالة وعي تمكنه من مغالبة الوضعية في المؤسسات الثقافية الرسمية وغير الرسمية وممارسة ضغوط تأتي بمثابة محاولات للخروج من دائرة التجهيل الرسمي له كمبدع مالم يقدم رؤى وحلولا ناجعة تسهم في إفهام سلطات ثقافية لا تنتج المعرفة ولا تتحلى بمسئولية تاريخية وفكرية تجاه منظومة يناط بها تعميم ونشر ثقافة شريحة مازالت في طيات التجهيل والإقصاء والتهميش والتهشيم وأما كيف ¿¿
أقول أنه لابد للمثقف أولا لعب دور من خلال نتاجاته التي لابد أيضا من توجيهها على شكل قناعات تحدث قطيعة مع الإستلاب المتوارب على خلفية الأداء العقيم للمؤسسات مادام الدور الضعيف للمثقف محمولا على ظهر الأيدلوجيات التي عمقت الضعف الأدائي فلعل الأحرى بالمثقف الذود عن قضيته المتحررة من عقد البقاء في بوتقة الإرتهان للسياسي وهنا سيظل المجتمع – مجتمع التلقي – غائبا تماما عن تفهم الحالة المشرعة للقوقعة الثقافية البائسة التي تطحن المثقف بسبب بعده عن الشارع وجمهور الثقافة عموما لا سيما والمتلقي مهموم بقائمة اعتبارات تصادر منه حق العيش وأظن المثقف الذي لايصنع قضية مردها انشعال المزاج العام بمعاناته فلن يتمكن من صناعة حضور ينطلق من نقطة ثقافية تنتصر له أولا ليبقى بين براثن عزلة يحاصرها العار بأطر ووجوه متعددة وتستمر الفجوة في إفراز الهوات بينه وبين الجمهور ناهيك عن الإنسداد المتكلس والمتفاقم المؤدي إلى إحلال الجمود ولسوف تستمر التبعية بأشكالها وصنوفها المزرية مابقي المثقف يفكر بأجندة الحزب والتيار والفئة .
يقول الشاعر الأردني ذو الأصل الفلسطيني زهير أبو شايب إن علاقة المثقف بالمثقف وعلاقته بالسلطة سواء كانت سلبية أو إيجابية من جهة أخرى هي أهم أسباب السكتة الإبداعية واستنادا إلى ذلك فكلنا يعرف نمطية علاقة المثقف العربي بالسلطة وعلاقة المثقف بالمثقف ويكفي أن نرى ذلك في الفيسبوك وتلك العلاقات الشوهاء والمبتذلة والقائمة على أسس لا تخدم الفكر ولا تأصل الثقافة ناهيك عن علاقات التواصل المباشر والحي
إننا نعيش في عزلة جماعية مرعبة كأننا أرخبيل بشري كل منا يدلي نفسه في حفرته الذاتية وأما أخطر مافي العزلة عزلة النصوص والشخوص وهذا ينفي الآخر المحايث لا المفارق فليس آخر لدينا .. وهنا ومن هذا المنطلق فالمثقف يقرأ نفسه ويسمع رأي نفسه وتنمو الظاهرة المغلقة على الذات حتى تصبح فراغا فظيعا لا يستطيع لحظتئذ التعبير عن الوعي الجمعي تجاه مختلف القضايا سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وعلى هذا المنوال تكون مسألة الإيمان بالإيدلوجيات قد وضعت حدا لأصداء المثقف مع مجتمعه فتضيع المعرفة في بؤر ضيقة لا تقبل سوى ما يتطابق مع نزوع هذه الإيدلوجيات وفرضياتها فقط دون القبول بالآخر وقناعاته ورؤاه وتكون العزلة قد نجحت في فصل الفكرة كإطار للكل المتعايش عن مفهوم قضية مفتوحة تؤسس لواحدية تراعي الظواهر المستقبلية فتضيق معها حرية الإبداع حتى تصبح بحجم علبة سردين فارغة وتلك هي النصوص والنتاجات والنظريات والتدوينات التي يموت في فضائها فكر ينحاز للرؤية القابلة والمتقبلة لصيغة الإختلاف الفطري وعن ذلك تنشأ التفرجية كضرب من ضروب القطيعة التي تريد أن تصف ولا تريد أن تعرف التي بدأ يدأب عليها كتاب كثيرون أفرزتهم الصدامات السياسية كمحمود ياسين وعلي البخيتي وعادل الشجاع ومحمد العلائي الذين لم يعد المتلقي يدري عن ماذا يدافعون لتتوه المقاصد في غمرات جلد الذات بمنأى عن الذوات المغلوبة والمتسلطة الباحثة عن اللاهوت والناسوت وسلطة الباهوت ليغدو النقد التفرجي عنوان بارز وعريض لمسيرة تخبطية ناسفة لاعتبارات المثقف ووطنيته والمصلحة الشماء لصالح الشعوب فيجنح جمهور الثقافة لتجرع قائمة كبيرة تتضمن مائة عار تكرس الإنعزال , أولها الإنغلاق والجمود والمراوغة والتبعية والإسفاف والنفاق والتعري وآخرها الإنحلال والدس والعبودية والضيم والتشظي وهذا دليل قاطع لعدم وجود تحولات ثقافية وهي نواة التحولات على الصعد الاخرى وكل ذلك لأن الثورة لم يكن لها بعد ثقافي ولذلك لم تقدم برنامجا يؤسس لمعطى فكري بمستويات تراعي التنوع المعرفي للشعوب .

قد يعجبك ايضا