بجاش والبردوني ذكريات الزمن الجميل

أحمد يحيى الديلمي


أحمد يحيى الديلمي –
لأول مرة أرتبك وتغشاني الرعشة عند قراءة مقال صحفي صباح الجمعة 7 أغسطس وأنا أمسك بصحيفة الثورة وقعت عيني على عنوان العمود اليمني للصحفي القدير والصديق العزيز عبدالرحمن بجاش تأثرت جدا عند متابعة الصورة البديعة والمشهد المؤثر الذي التقطه قلم ابن الشيخ الرشيق عن شاعر اليمن والمفكر الكبير الأستاذ عبدالله صالح البردوني على خلفية الندوة التي أقامتها اتحاد الأدباء والكتاب فرع صنعاء في ذكرى وفاة الشاعر مع أني حضرت الفعالية واستمعت إلى ما قيل بما في ذلك قصيدة المرحوم بعنوان «قتيلان هما القاتل» التي ألقيت لأول مرة وأظفى عليها الأديب جميل مفرح رتوشا جمالية من خلال أسلوبه في الإلقاء إلا أني تأثرت كثيرا وأنا أقرأ المقال. أحست بأن ابن الشيخ شدني إلى ضفاف ذلك الزمن الجميل بأسلوبه المميز الذي يعتمد على كلمات بسيطة خالية من التكلف يقدم الأحداث والوقائع بمضمون درامي وعاطفة جياشة استطاع أن يستدرج ذاكرتي إلى ردهات ذلك الزمن شدني بقوة إلى زمن ليست مبالغة القول إنه من أزهى الفترات التي أعطت الإبداع الأدبي والثقافي والفكري مكانة خاصة مع أن البلاد كانت خارجة للتو من حرب الانتصار للثورة إلا أن الثقافة بمفهومها الواسع فرضت نفسها في الواقع وقزمت رغبات هواة الموت وتجار الحروب ولو استمرت إيقاعها بنفس الزخم لكان الوطن المنكوب أسعد والمواطن اليمني المغلوب على أمره تخطى الكثير من العثرات ولنا عبرة بما حدث بعد حرب 1974م بين أبناء الوطن الواحد كان الأدباء والمثقفون أول من قرب المسافات وجعلوا الساسة والعسكر يسيرون خلفهم لذلك كان وقع الخاطرة عميقا في نفسي حديث ابن الشيخ عن دور نادي الخريجين مثل فلاش باك مؤثر تذكرت معه كيف ازدهرت الحياة الثقافية وكان النادي المذكور مجرد موقع من المواقع الكثيرة المشاركة في إنعاش الثقافة والتأصيل لثقافة وطنية حقيقية طهرت النفوس من الآثام والملوثات السقيمة التي علقت بها.
وطالما أننا نتحدث عن الشاعر الكبير نعود إلى صاحب الذكرى فلقد أشاد بتلك الفترة وأعاد أحد أسباب ازدهار الحياة الثقافية إلى وجود شاعر ومثقف على رأس السلطة في الشمال هو القاضي عبدالرحمن الإرياني مقابل وجود مناضل ومثقف وشاعر مثل عبدالفتاح إسماعيل له صولة وقوة تأثير في الجنوب وهو ما سمح بازدهار الأدب بكل فنونه وثراء الفكر بكل روافده وكانت النتيجة قيام أول مؤسسة وحدوية اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين الذي لم شمل الأدباء والشعراء والكتاب تحت راية واحدة في ظل التشطير وكل أجواء الخوف وبالفعل كان الأدب الذي ازدهر في تلك الفترة مادة الغذاء الروحية التي عوضت اليمنيين عن لسعات الجوع المادي ومدتهم بكل أنواع القوى والثبات.
إذ كان لا يمر الأسبوع الواحد إلا على أربع أو خمس فعاليات كانت تتميز بقوة الحضور النوعي والكمي فطالما كان الأستاذ محسن العيني وهو رئيس وزراء في تلك الفترة والدكتور حسن مكي نائب رئيس الوزراء وغيرهم من الوزراء والمسئولين يحرصون على المشاركة في كل الفعاليات وكان التواصل الثقافي والفكري بين القاعدة والقمة على أشده قبل دخول التلفزيون إلى اليمن. كان الجميع يحرصون على حضور الندوات باعتبارها قناة التواصل ومحور ارتكاز التأثير في الحياة العامة والمتخلف عنها يفقد معنى الوجود المتميز وهو العكس في السنوات اللاحقة أصبح الحرص على الاقتراب من العسكر والقبيلة هو المعيار لضمان المشاركة في الفيد والغنائم وإثبات قوة الحضور.
البردوني ومواقف لا تنسى
الموقف الأول كان في المركز الثقافي السوفيتي حضرت مع الشاعرين المرحومين يحيى علي البشاري وعبدالرحمن محمد قاضي للاستماع للشاعر الكبير الأستاذ أحمد محمد الشامي الذي سمعت وقرأت عنه في كتاب النصوص أول ثانوي أنه أحد رواد المدرسة الرومانسية في الوطن العربي ولم أتعرف عليه.
كانت مفاجأة بالنسبة لي عندما وجدته مائلا أمامي والأستاذ البردوني يقدمه ليسمع الحاضرين قرأت من شعره فأسهب في الحديث عنه وعن شعره ومستوى ثقافته. اختلف الأمر بعد ذلك فقد ترك البردوني المنصة ونزل إلى الصالة فقدم له الشامي المدخل للحديث وفتح شهيته للنقد ختم الشامي آخر قصيدته بقوله:
قد شربت الكأس حتى
لم أدع في الكأس قطرة
ضحك البردوني بصوته المعهود وقال بطريقة ساخرة الكأس حاف وإلا معدل ياأستاذ أحمد. ضجت القاعة وارتفعت أصوات الجميع بالضحك ثم تحول الضحك إلى جد وأي جدية كان البردوني قد دون الملاحظات النقدية في رأسه وانطلق يتحدث عنها بأسلوب ساخر شد الحضارين وبعث فيهم الحماس للدخول في المساجلة. وظل الشامي صامدا يتقبل ما يقال بصدر رحب ويقول سأحتفظ بحق الرد المهم لا داعي لأسلوب السخرية والتجريح إلى أن وصل البردوني في الحديث إلى بيت القصيدة فقال: لم تقدم جديدا ياأستاذ أحمد هذه الأشياء ثابتة في ذاكرة كل إنسان لا يحتاج إلى كل هذا التنميق وال

قد يعجبك ايضا