التسامح في الإسلام الفضيلة النادرة
د. علي محمد الأشموري
د. علي محمد الأشموري –
الإدراك الواعي لطبيعة وحساسية الظروف التي يمر بها العالم الإسلامي اليوم لا شك أنه يساعد على اكتشاف التحديات بالغة الحساسية والتعقيد التي تهدد مستقبل الإنسان العربي والمسلم ويجعله أمام مفترق الطرق إما أن يكون أو لا يكون استنادا إلى القاعدة التي تعتبر العرب بيضة الإسلام فإن هذا التعريف يلقي على عاتق الأمة مسؤوليات جسيمة تبدأ بإمعان قراءة كافة التطورات والتحولات المتلاحقة التي تفرض نفسها على الواقع الحياتي على أن تكون القراءة ببصيرة ثاقبة بأفق الباحث عن مكانة مرموقة في سلم التطور الحضاري المتطلع إلى استعادة الدور الذي افتقده لا بعين الخانع التابع الذليل الباحث عن الفتات في موائد الآخرين ذلك أنه من الثابت والبين أن الجميع يمكرون للإسلام والمسلمين وإن هذا المكر لتزول منه الجبال كما وصف الخالق سبحانه وتعالى ولقد بلغ هذا المكر بصورة لم يسبق له مثيل حيث أنهم استطاعوا أن يجعلوا من الأمة الإسلامية أن تضرب بعضها ببعض نتيجة للدس فيما بينها مستغلة الانقسامات السياسية والخلافات الهامشية وأي ثقل تمكنه من تحقيق غاياته ليعمق أسفين التمزق دون أن تستوعب الدرس وتعمل على تلافي المخطط المبيت لها على الرغم من أنها واجهت وتواجه انتكاسات كارثية وأوضاعا مخيفة تنذر بشر مستطير لا سمح الله خاصة عندما تمكن الأعداء من إشاعة الانقسام الاجتماعي والاحتقان السياسي والتهييج الطائفي.
لذا قد حان الوقت لعموم الأمة دون استثناء أن تستوقف نفسها أمام ما حل بها بالعودة الصادقة لقيم الدين الثابتة في الكتاب والسنة والتعامل معها بدلالاتهما ومقاصدهما دون تأويل أو تحريف لكي تتمكن من تجاوز الكثير من العقبات والانزلاقات ذلك أن الإسلام هو الملاذ الوحيد من الصراعات السياسية والمذهبية والحزبية التي ساعدت على تمزقنا وشتاتنا تحت لافتات متنوعة ولا تتأكد تلك العودة إلا إذا شاع بين الجميع ابتداء مبدأ التسامح والحوار بعقل مفتوح وصدر واسع لأنه لا يمكن الوقوف ضد نزعات القتل والإلغاء والعنف لدواع دينية ومذهبية وحزبية وطائفية إلا بتعميق خيار التسامح والحوار لأنه الوحيد الذي يساهم وبشكل فاجع في إعادة صياغة علاقة الإنسان بأفكاره وعقائده فالتعصب الأعمى للذات وأفكارها وعقائدها هو الذي يدفع الإنسان للتجاوز على حقوق وكرامات الآخرين وثقافة التسامح والحوار والتعايش السلمي هي التي تضبط علاقة الإنسان بعقائده وأفكاره وتبعده عن التعصب الأعمى الذي يقود صاحبه إلى ممارسة العنف والتدمير وهو ليس له قيم ولا عقيدة إن مفهوم التسامح وفضيلته يعتبر من أجل قيم الإسلام ونظمه الأساسية والتي هدف إلى إيصال الحق إلى القلوب ليستقر فيها ويحرك الإنسان باتجاه الفضيلة ليحقق ضمان الثبات والتمكن للأفكار والسلوك اللذين بهما توجه الإنسان نحو الرقي والخير الذي يؤكده القرآن الكريم بوصفه الميزة التي اختصت بها الدعوة الإسلامية التي أرادت السمو بالإنسان إلى معالي الأمور وأوصلها وأرشدها قال تعالى ((أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)) والموعظة الحسنة على حد تعبير بعض المفسرين هي التي تدخل القلب برفق وتعمق المشاعر بلطف لا بالزج والتأنيب والشتم في غير موجب ذلك أن الرفق في الموعظة كثيرا ولهدي القلوب الشاردة ويؤلف القلوب النافرة والدعوة إلى سلوك الطريق الأحسن في مقام الجدل والصراع الفكري هي دعوة قرآنية تخاطب كل مجال من مجالات الصراع لأنها دعوة الله إلا الإنسان في قوله تعالى ((ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)) وقوله تعالى ((وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا)).
هذه الدعوة الصافية للتسامح في أبهى صورها توحي للإنسان في كل زمان ومكان أن مهمته في الحياة هي أن يثير في الإنسان عوامل الخير ويلتقي بها في عملية استثارة واستثمار بدلا من عوامل الشر التي تهدم ولا تبني وتضر ولا تنفع وأن القوة مهما كانت درجتها لن تنسجم مع طبيعة الرسالة الإسلامية الخالدة ما دامت القوة تعني محاصرة العقل وفرض الفكرة تحت تأثير الإرهاب الفكري والخوف ولذلك فإن الباري عز وجل نبه رسوله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أن يمارس التبليغ مع قومه الكفار بروح ومنطق العقل دون الضغط والإلزام قال تعالى ((وإöنا أوú إöياكمú لعلى هدى أوú فöي ضلال مبöين)).
ولما كان هذا التوجيه الإلهي لنبيه الكريم تتجلى فيه قيمة التسامح والحوار المحركين لدفائن العقول مع المخالف في الدين في رقة وحنان واستيعاب للآخر مهما كان فكره ومنهجه فإنه من الواجب