(بشرى النبوة) للشاعر الأسطورة وقصائد المديح النبوي

*عبد الرقيب مرزاح


*عبد الرقيب مرزاح –
فن المديح النبوي هو عبارة عن الشعر الذي يهتم بمدح رسول الله عن طريق تعداد صفاته الخلقية والخلقية وإظهار الشوق لرؤيته مع ذكر معجزاته المادية والمعنوية ونظم سيرته شعرا والإشادة بغزواته وصفاته وتعرف المدائح النبوية كما يقول الدكتور زكي مبارك بأنها فن ( من فنون الشعر التي أذاعها التصوف فهي لون من التعبير عن العواطف الدينية وباب من الأدب الرفيع لأنها لا تصدر إلا عن قلوب مفعمة بالصدق والإخلاص)
وإذا كانت بدايات المديح النبوي تعود إلى أوائل سنوات الهجرة فإن هذا الفن تطور كثيرا على يد كثير من الشعراء على مر العصور الإسلامية حتى أصبح اليوم فنا قائما بذاته له خصوصياته وخصائصه وطرقه وغدا المديح النبوي يشكل أحد أهم الفنون في المجتمعات الإسلامية الحديثة.
في هذا السياق تطور فن المديح النبوي في الشعر العربي على يد هؤلاء الشعراء الذين دافعوا عن الإسلام ورسوله وكان منهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة .
**ولعل من أهم القصائد في المديح النبوي في المرحلة التأسيسية هي لامية كعب بن زهير ومطلعها :
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفد مكبول
ومع أن هذه القصيدة تعد من روائع التراث العربي إلا أن لغة القصيدة في قسم الاعتذار منها للرسول تضعف وتصبح قريبة المأخذ سهلة الأسلوب ولا يبعد كعب كثيرا في اعتذاره للرسول عن أسلوب من سبقه من الشعراء كالنابغة الذبياني يقول النابغة في الاعتذار للنعمان :
أنبئت أن أبا قابوس أوعدني ولا قرار على زأر من الأسد
لكن كعبا يدرك أن الموقف بين يدي رسول الله مختلف عن موقف النابغة بين يدي النعمان فيقول:
مهلا هداك الذي أعطاك نافلة ال قرآن فيها مواعيظ وتفصيل
لكنه يعود مرة ثانية لأسلوب الاعتذار الذي سله النابغة فبين أن الوشاة هي التي زادت في الأقوال:
لا تأخذني بأقوال الوشاة فلم أذنب ولو كثرت في الأقاويل
وعلى الرغم من أن هذه القصيدة قيلت في مديح النبي صلى الله عليه وسلم وبعد أن أعلن الشاعر إسلامه إلا أنها تظل قصيدة جاهلية من حيث التقليد والاتباعية وطبيعة بنائها الشعري ومن حيث حركتها الداخلية وكثرة التشابيه فيها كتشبيه الرسول بالأسد .
**أما عن قصيدة البردة أو البرأة للبوصيري ولا شك أنها أهم القصائد التي استوحت قصيدة كعب أو ربما جو القصيدة إذا لم نرد القول إنها محاكاة لقصيدة كعب بن زهير وتجربة مستبطنة عنها علاوة على ذلك فإن البوصيري لم يستطع أن يذهب إلى أبعد مما ذهب إليه في عملية تماسك بنية قصيدته وترابط معانيها فظهر هيكلها شيء من التداخل مابين أقسامها وإذا كان الشاعر قد وقع في ذلك فإن مرد ذلك إلى عوامل عصره التي ضعفت فيه الملكة الأدبية وانحسر فيه مد الإبداع الأدبي كما أن القصيدة أقصد بردة البوصيري قد صيغت على وزن وقافية وروي قصيدة (هل نار ليلى بدت ليلا) للشاعر الصوفي عمر بن الفارض يقول ابن الفارض في مطلع قصيدته:
هل نار ليلى بدت ليلا بذي سلم
أم بارق لاح في الزوراء فالعلم
ويقول البوصيري في قصيدة البردة:
أمن تذكر جيران بذي سلم
مزجت دمعا جرى من مقلة بدم
وليس هناك أدنى شك بالقرابة العروضية والموسيقية وكذلك بعض المعاني وأسماء الأماكن بين قصيدة ابن الفارض وبردة البوصيري ونهج البردة لأحمد شوقي وإن كانت قصيدة ابن الفارض لا تعد من قصائد المدح النبوي لأن ليلى رمز عند المتصوفة يقصد به المدح الإلهي .
**أما أحمد شوقي فقد مدح رسول الله في قصائد مطولة أهمها نهج البردة 190بيتا واستهلها بقوله:
ريم على القاع بين البان والعلم
أحل سفك دمي في الأشهر الحرم
ومن المعروف أن شوقي حاكى بردة البوصيري ولم يدع معارضتها وإن كان مقصده من ذلك التبرك بها كما فعل سابقوه .وهو ذات صنيعه في قصيدته الأخرى :
ولد الهدى فالكائنات ضياء
وفم الزمان تبسم وثناء
نجد أن شوقي قد سار(فكرا وبناء وفي الوزن والقافية ) على نهج همزية البوصيري المسماة ب(أم القرى) التي مطلعها:
كيف ترقى في رقيك الأنبياء
يا سماء ما طاولتها سماء.
علاوة على ذلك فإن معجم شوقي متباعد الأطراف متعدد الألوان شكلا ومضمونا حيث أن الغلبة في قصيدته ولد الهدى كانت للأسماء فطغيان الجمل الاسمية على القصيدة كان ظاهرا بارزا وكانت الأسماء المعرفة هي الغالبة إذ بلغ عددها 135اسما معرفا بينما لم يتجاوز عدد الأسماء النكرة 53 مرة وهذا بدوره أضفى على القصيدة ثباتا وجمودا.
< أما قصيدة البردوني بشرى النبوة فيبدو لي أنها أروع ما كتب في المديح النبوي لجملة أمور أهمها :
-1 أن الشاعر الأسطورة عبد الله البردوني فني في حب رسول الله ونسي أن يتطرق لذكر حوائجه بين يدي رسول الله كما صنع كل من كعب والبوصيري وشوقي.
-2

قد يعجبك ايضا