الواقع والأسطورة (7)
أحمد يحيى الديلمي
أحمد يحيى الديلمي –
صنعاء محراب الفن
اعتذر من القارئ الكريم لأني اثقلت عليه بسرد الأحداث المؤلمة بتفاصيلها المملة والمقرفة لكنها وقائع وأحداث توالت وكان لا بد من التطرق إليها طالما أننا نتحدث عن ذاكرة المدينة لأنها كما أسلفنا ذاكرة نقية دون كل شيء بأمانة ومسؤولية ولا تسمح بمقاربة الأحداث بأسلوب آخر ومعايير انتقائية مع ذلك اكتفت بما اسلفت ودعونا نحلق معا في سماء الفن والابداع وبما اشتهرت به المدينة من مظاهر ابداعية ونسترشد بقول الشاعر: »صنعاء حوت كل فن« الفن بتنوعه وتعدد مشاربه كأن أهم السمات الثقافية التي تميزت بها صنعاء عن غيرها من المدن اليمنية بل والعربية وفي ما جاء على لسان أحد المهتمين بتاريخ الفنون أن صنعاء عرفت الفن منذ زمن مبكر مشيرا إلى أن الفن مد أبناء المدينة بروح معنوية انعكست على شكل البناء وأسلوب زخرفة المباني الذي تحولت معه إلى لوحات زيتية إبداعية جعلت الكثير من زوار المدينة الأجانب يعتبرون المدينة متحفا مفتوحا على الطبيعة للابداع الإنساني كما استدل نفس الباحث على أن قدم الفن في صنعاء شاهد تاريخي ورد في بعض الكتب عن الفنان الموسيقي العربي المشهور »معبد« وهو يخاطب الخليفة قائلا: اليوم سأقدم مقامة صنعانية وهي شهادة يعتز بها كل يمني وفيها دلالة واضحة على قدم الفن في صنعاء.
نفس الدلالة على قدم تعامل صنعاء مع الفن وردت بمضمون آخر في كتاب الدكتور القدير المرحوم الأستاذ محمد عبده غانم بعنوان »فن الغناء الصنعاني« إذ يقول: إن صنعاء كانت أول محراب للفن في الجزيرة العربية ومنها امتد اشعاعه إلى بقية المدن اليمنية ثم بقية مدن الجزيرة والخليج.
لماذا تراجع دور صنعاء¿: مما لا شك فيه أن حقب التقوقع والانغلاق التي مرت بها اليمن أثرت كثيرة على المجالات الابداعية وكان تأثيرها كبيرا على الفن الغنائي لأن محاربة الفنون وتحريمها باسم الدين وصل في مراحل كثيرة إلى حد تفسيق وتكفير من يتعاطى مع الفن.
إذ يروى في هذا الجانب أن أحد العلماء المشهورين بالورع والتقوى رفض أن يتقدم للصلاة على أحد الموتى بحجة أن الميت كان يغني ويمتلك طربى رد قائلا: مستحيل أن أصلي على هذا الفاسق ثم ما لبث أن تراجع عن موقفه المتشدد هذا في اليوم التالي فلقد استغرب أبناء الروضة عندما رأوا نفس العالم في ساعة مبكرة من صباح اليوم التالي واقفا أمام قبل الرجل يؤدي صلاة الجنازة عليه بمفرده التصرف أدهش الجميع هرعوا إليه يسألونه عن سبب التحول الذي طرأ على موقفه من الرجل خلال ليلة وضحاها نتيجة الألحاح من قبل من تجمعوا حوله اضطر الرجل إلى كشف السر قائلا: موضوع تفسيق وتكفير الناس لمجرد ظنون وأهواء ذاتية فعل خطير يتنافى مع سماحة الدين لا بد أن نظن بالناس خيرا وأن يكون إيماننا بالله سبحانه وتعالى راسخا واثقين برحمته وعدله وكرمه استغفر الله العظيم لقد اسأت إلى الرجل رحمة الله عليه كأني ضقت ذرعا بما سمعته عنه ونسيت الله سبحانه وتعالى عنوان الرحمة ومصدر العدل وهو العالم بشؤون كافة العباد.
فبينما كنت نائما بعد صلاة الفجر رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استغربت عندما رأيت الرجل جالسا إلى جواره سألته بدافع الاستغراب والموقف الراسخ في ذهني وأنت ما الذي جاء بك إلى هنا ابتسم وأجاب: R
