إصلاح أوضاع الناس خير من الحوار الوطني
إسكندر المريسي

إسكندر المريسي –
ثمة فرق جوهري بين الحقيقة البعيدة عنا وظلال تلك الحقيقة التي يجري التلاعب فيها عن سابق إصرار وترصد خاصة ونحن في أجواء يجري فيها الحديث عن الحوار كحقيقة تبدو إن لم تكن نسبية فهي مفقودة بالتأكيد حيث يتم اغتيال اللواء البطل سالم قطن فيما ساحة العمل السياسي بشقيها النخبوي والرسمي «سلطة ومعارضة» الجميع يتحدث عن الحوار الذي بات حاضرا أشبه بمصطلح مطاطي غير محدد كأنه يطرح في فضاءات منقطعة الصلة عن الواقع.
ولعل ما حدث على مرآى ومسمع الجميع داخل قاعة المركز الثقافي في أمانة العاصمة اليمنية صنعاء وذلك مطلع الأسبوع الماضي يؤكد حقيقة البعد الواقعي عن ذلك الحوار الذي لا يعني اجتماعا لأمناء أحزاب مختلفة على منصة واحدة لاسيما والحدود المقدسة دائما ما تنهار إذا ما أحيطت بقدر عال من الحيطة والحذر وإن كان الجميع دونما استثناء مع إنجاح الحوار الوطني لكن الضرورة تقتضي تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية دونما مبالغة أو اعتساف لتحديد الخطأ والصواب في العملية السياسية الجارية.
لأن الكل يدرك ما توارد إلى أذهان المواطنين اليمنيين بأن فرقاء العملية السياسية داخل البلد أكانوا أحزابا في المعارضة أو في السلطة إنما قد دخلوا مرحلة وفاق بغض النظر إن كان مصدر ذلك الوفاق محليا وطنيا أم أنه من الأعلى الإقليمي والدولي ومع ذلك فلم يكن بوسع المواطنين إلا تصديق حقيقة ذلك الوفاق وأنه قد تم فعلا ومن خلاله تغلبت اليمن على الأزمة السياسية وما نتج عنها من آثار مدمرة طيلة الشهور الماضية.
ولم يتبادر إلى ذهن أحد من المواطنين مجرد الاستفسار البسيط جدا والذي مفاده أن الوفاق بالتأكيد قد تحقق وفقا لما قال به أقطاب السياسة في السلطة والمعارضة وشركاؤهم المتمثلون بالرعاة الإقليميين والدوليين لذلك الوفاق الذي ما كان أن يكون واقعا مفترضا إلا لوجود حوارات سابقة تمت وجرت لشهور عديدة داخل الوطن وشملت كافة أطراف العملية السياسية فيكون على ضوء تلك الحوارات المسبقة قد توصل الجميع إلى الوفاق كنتجية تمخضت عما تم من مشاورات مفترضة.
لكن ظلال الحقيقة تؤكد خلافا لذلك فقد حصل الوفاق أولا وجرى بموجبه تشكيل حكومة شارك فيها التوافقيون دونما استثناء وفجأة وبعد فترة شهور مضت يتم بالوسطين السياسي والإعلامي التحضير للحوار الوطني بحسب ما يطرح حاليا بصورة غير معهودة من قبل ومعنى ذلك أن العملية عكسية لا تتنافى مع حدود وإمكانية العقل على الفهم خاصة لدى عامة الناس ولكن تلك العملية العكسية تلغي أسس ومعايير المنطق الصوري في رؤية الأشياء على حقيقتها لأن الوفاق دائما ما يكون نتيجة للحوار ولا يمكن في أي حال من الأحوال أن يكون الحوار قبل الوفاق فذلك تعد واضح للمسلمات الطبيعية والعلاقات السوية التي تعارف عيلها الناس.
ومع افتراض أن الوفاق قبل الحوار كمن يؤدي صلاة الجمعة قبل الخطبة لكن قلنا مع افتراض صحة تلك العملية العكسية فإن للحوار معنى ودلالة وليس أن يجتمع الناس في القاعة ويجعلوا منها غوغاء فلا نعرف الصائب والخاطئ لأن إطلاق المصطلحات المطاطية على عواهنها دونما وعي أو إدراك في أبعاد ونتائج ذلك يجعل من الحوار مجرد مضيعة للوقت لأن أبسط معنى للحوار المفترض مناقشة المشكلات القائمة وليس جمع الشعب اليمني كله لكي يناقش تلك المشكلات.
فالأزمة الاقتصادية التي تجتاح البلد وقد طحنت السواد الأعظم من الشعب وأثرت سلبا على قطاعات واسعة من المواطنين تحتاج تلك الأزمة الاقتصادية إلى حلول ومعالجات جذرية وليس إلى جدل بيزنطي في حوارات مفترضة لها بداية وليس لها نهاية ولا يمكن أن يتسنى تحقيق ذلك إلا من خلال إجراءات واقعية فعلية وصحيحة لأن قوة وجود الحكومة من عدمها يتوقف بدرجة أساسية على امتلاكها إرادة سياسية وصلاحيات تنفيذية تجعلها قادرة على إصلاح الأوضاع الاقتصادية حتى يلمس الناس من خلال تحسين مستوى المعيشة وإنهاء الأزمة الحالية بأن هناك حكومة فعلية مرتبطة بهموم وطموح الشعب لاحكومة صورية تبحث عن المساعدات الخارجية وتراهن على المانحين وليس ذلك فقط فإن للحوار أيضا مفهوما محددا وتعريفا موجزا وأطرافا معينة وموضوعات أساسية وقضايا مطروحة والتي إن لم يكن في مقدمتها حل الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الشعب اليمني يبقى ذلك الحوار كما قلنا مضيعة للوقت وتكريسا للأزمة وشرعنة للصراع السياسي.
وكان الأحرى على أولئك المتحاورين بدلا من التحضيرات الجارية والاجتماعات المتكررة والمشاورات العليا وتشكيل اللجان المختلفة وما إلى ذلك أن يتحاوروا في ما بينهم على إصلاح خدمة الكهرباء كمحك عملي يواجه الحوار الوطني قبل أن يبدأ لأن السياسة تفترض الواقعية ولا توجب الشطط فتشخيص المشكلات القائمة مسؤولية حكومة الوفاق وليس مسؤولية لجنة الحوار الوطني.
لأن تعدد ا