تماهي الضحية والجلاد

الغربي عمران

 - ملاحظة:
سأتعامل مع الرواية كما لو كان عنوانها (يطالبني ...بالقبلة كاملة).. والسبب أنني في الرواية لم أجد أي رقصة.. مقابل الكم الكبير من القبل المتناثرة على صفحاتها الجميلة
الغربي عمران –
ملاحظة:
سأتعامل مع الرواية كما لو كان عنوانها (يطالبني …بالقبلة كاملة).. والسبب أنني في الرواية لم أجد أي رقصة.. مقابل الكم الكبير من القبل المتناثرة على صفحاتها الجميلة.
عتبة الدخول:
قبل الولوج في قارورة عطر الحكاية.. أحب أن أتذكر بأني التقيت بالمبدعة الكويتية منى الشافعي في الشارقة .. باقة من أدباء الجزيرة العربية – أفضل هذا التسمية بدل الخليج…-  والعراق في (ملتقى الإمارات للإبداع) ديسمبر2011 .. وكانت الأستاذة أسماء الزروعني القاصة والمبدعة الإماراتية غيمة من ياسمين تظلل الجميع طيلة أيام الملتقى.
 ما لفت نظري وبقية المشاركين شخصية الروائي والإعلامي السعودي محمد المزيني  والمبدعة الكويتية منى الشافعي.. فما أن يحلا أو يحل أحدهما في قاعة أو على مركبة تنقلاتنا من الفندق إلى قاعات الفعاليات حتى تزداد وتيرة الحركة ويعم الصخب والابتسامات.. لتتغير ملامح الحضور وتتقنع بالمرح التلقائي.. فحضور الشافعي والمزيني يحيل المحيط إلى ربيع ضاحك وجو عابق بالألفة.
وبالطبع يتركان أثرا قويا لا ينمحي في نفوس من التقى بهما وإن على عجالة.. أو هكذا أحمل في نفسي من مشاعر.
يطالبني:
وفي هذه الوريقات أحاول اكتشاف الشافعي الفنانة  بعيدا عن خفة الروح ودماثة الأخلاق وعفوية التعامل..  هنا بين يدي شخصية أخرى لمنى  المتمثلة  برواية (يطالبني بالقبلة كاملة)  ويطالبني  هو الإصدار العاشر المتمثل بروايتين  وسبعة مجاميع قصصية وإصدار جمعت فيه بعض مقالاتها الصحفية.
الرواية في 224 صفحة توزعت إلى ثلاثة فصول  .. وزعت الكاتبة تلك الفصول على شخصياتها الرئيسة: فوزية.. يوسف.. نورة.
تبدأ الرواية بحديث بين نوف ابنة نورة المستلقية على سرير المرض في غيبوبة دامت خمسة عشر سنة وفوزية  الزوجة الثانية للأب وصديقة الأم.
 الفصل الأول ..أو فصل فوزية التي تدخل القارئ إلى  عالم أسرة  يتصارع أفرادها عاطفيا.. بعد أن تحول ذلك المنزل إلى منزل أشباح والسبب أن يوسف تزوج بفوزية صديقة زوجته… في البدء التبس الأمر  ولم أستطع تمييز الصلات والعلاقة بين أفراد ذلك المنزل.. لكن فوزية وبعد تناولها سرد ذكرياتها طرحت القارئ على الطريق الصحيح لفهم تلك العلاقات.
الكاتبة استخدمت أكثر من راو .. فبالإضافة إلى الراوي العليم أشركت شخصيات الرواية في رواية  ذكرياتهم مع بعض.. بل اننا نكتشف أن الراوي العليم قد اقتصر دوره كما لو كان مذيع ربط إذاعي أو تلفزيوني بين فقرات البرامج والمنوعات.. أو كعريف الحفلة..وهذا الأسلوب يحسب للكاتبة إذ أنها جعلتنا نتصورها وهي تنسج حكايتها بشكل فني بديع موزعة أدوار الحكي بين الراوي العليم وشخصياتها الثلاث.. تظفر هنا وتدخل خيطا جديدا هناك وتعقد ثالثا بعد قصة.. بل أنها قدمت لنا عملا فيما يشبه الجدارية التشكيلية مستخدمة ألوان الفرشاة تارة وضربات السكين تارة أخرى لتنجز لوحة مبهرة متناغمة الألوان.. متجانسة الإيقاع.
لم تكن الجملة في (يطالبني…) جملة مطاطة أو مملة بل إنها قلقة الإيقاع.. مقتضبة وقصيرة .. ما أعطى القارئ جوا عاما حول ما تعيشه تلك الأسرة من خلافات وصراع.
 الحوارات سريعة ومكثفة بين شخصيات الرواية.. وقد استخدمت الكاتبة الحديث إلى النفس بين شخصياتها..وذلك هو جوهر  (يطالبني…)  .. فقد أجادت الكاتبة في استخدام الذاكرة والعودة إلى الماضي طوال عملها  بفنية ووعي.. مما جعل القارئ يغوص في عوالم الشخصيات ويتلمس همومها.. حتى لكأنها أرادت أن تشركه في هموم شخصياتها وأوجاعها.. بل وأن يتمثل القارئ تلك الشخصيات.. ليخرج في نهاية صفحات الرواية في حيرة يسأل نفسه من على حق.. ومن هو الظالم ومن هو المظلوم. ليجد الجميع ضحايا  دون استثناء.. نتيجة للفهم الخاطئ للدين.. حين نقر بمفهوم حق الرجل في الولاية.. وحقه في أكثر من واحدة.. وحقه….. ولم نعمل في النصوص الدينية بالتحليل والتأويل لنعدل من ذلك الظلم. بل اكتفينا بظاهر المعنى وابتعدنا عن مقاصد شريعتنا الغراء.. وأسلمنا رقابنا لنفر من الجهلة يتفيقهون بنا وبديننا كما يحلو لهم وكأننا في غيبوبة كما هي نورة في غيبوبتها.
(يطالبني…) تعالج مسألة الزواج بأكثر من واحدة في مجتمعاتنا الإسلامية.. وقد وضعت لنا الكاتبة مبررات الصداقة والمحبة  والتربية والآمال المشتركة بين المرأتين.. إلى أنهما تعاهدا أو تمنيا ألا يفترقا.. ولذلك حلما برجل واحد.. وفي النهاية يكتشف القارئ أننا نتمسك بثقافة التبرير.. لتقبل كل ما هو قبيح وأعوج.. فها هي نورة رغم تذكرها بما كان بينها وبين صديقتها فوزية تنكر على نفسه

قد يعجبك ايضا