ما بعد الربيع العربي

علي ناجي الرعوي

مقالة


 - يبدو أن لحظة الحقيقة قد حلت في دول (الربيع العربي) التي استفاقت اخيرا على ركام هائل من المشكلات والمنغصات التي يتعين إيجاد الحلول لها من خلال عملية إصلاحية شاملة تمتد إلى مختلف القطاعات السياسية والاقتصادية والإنمائية والاجتما
علي ناجي الرعوي –

مقالة

يبدو أن لحظة الحقيقة قد حلت في دول (الربيع العربي) التي استفاقت اخيرا على ركام هائل من المشكلات والمنغصات التي يتعين إيجاد الحلول لها من خلال عملية إصلاحية شاملة تمتد إلى مختلف القطاعات السياسية والاقتصادية والإنمائية والاجتماعية وبما يمكن هذه الدول من لملمة جراحاتها وتجاوز انقساماتها الداخلية والانتقال من مربعات التصادم وانفعالات الانتقام إلى رحاب الشراكة والتسامح والوئام والمصالحة الوطنية المبرأة من كل أشكال الإلغاء والإقصاء لأي طرف من أبنائها.
وحتى لا تتلاشى فرص الإصلاح فلابد لهذه الدول أن تستفيد من تجارب الماضي والأزمات التي مرت بها وبما لا يؤدي إلى تكرار تلك التجارب المريرة وما تخللها من حالات الانفصام بين الأنظمة والشعوب التي تحكمها .. إذ إنه وما لم تسارع هذه الدول بترميم الشروخ التي أصابت جدرانها الداخلية فإنها ستبقى تدور حول نفسها أن لم تضع في زحمة الاعتوارات التي تنتابها جراء الإيغال في عوامل (الاستبداد المتبادل) والتي ما كان لها أن تصل إلى رأس الهرم لو لم يستوطن هذا الاستبداد في أعماق النخب السياسية والحزبية التي عملت على شرعنه هذه الثقافة من خلال أدوارها المتناقضة التي تميل عادة إلى موقف اللاموقف.
وما دمنا نتحدث عن حالة الارتباك التي تعيشها دول (الربيع العربي) بعد عام ونصف العام من اشتعال شرارة الاحتجاجات فيها فلابد من الاعتراف أن مساحة هذا الارتباك لم تتقلص او تتناقص بتغيير الأنظمة في تونس ومصر وليبيا واليمن واستمرار الانتفاضة الشعبية ضد نظام الأسد في سورية وإنما ازدادت اتساعا وتعقيدا فما يجري على ارض اكبر دولة عربية من تراشق بين تيار الإخوان المسلمين عقب فوزه بالانتخابات الرئاسية والمجلس العسكري الذي أدار المرحلة الانتقالية يؤكد أن الأوضاع في مصر مرشحة للدخول في مأزق جديد مبعثه هذه المرة النزاع على السلطة وكل المؤشرات القائمة توحي بأن هذا النزاع قد يتحول إلى صراع مفتوح بين الطرفين خاصة إذا ما إصر الأخوان المسلمون على التمسك بموقفهم الرافض لقرار المحكمة الدستورية الذي اعتبر مجلس الشعب فاقدا للصفة الدستورية واستمر الأخوان يؤججون الشارع ضد الإعلان الدستوري المكمل الذي اصدر المجلس العسكري .. ويصبح هذا الأمر أكثر احتمالا في ظل شعور التيار الإسلامي بأنه صار ممسكا بقواعد اللعبة السياسية بعد نجاحه في تحقيق الأغلبية البرلمانية والفوز بمنصب رئاسة الجمهورية.
وإذا لم يستحضر هذا التيار مسلسل التوافقات والتسويات سواء ما هو معلن منها وما هو مضمر فإن السحر قد ينقلب على الساحر فالقوى السياسية التي تحالفت معه لإسقاط نظام مبارك لن تسمح له بإعادة أنتاج الأحادية التي كان يناهضها عند بداية ربيع الاحتجاجات ولن تقبل هذه القوى بأن يفرض التيار الإسلامي نفسه فاعلا مركزيا في الحياة السياسية وليس جزءا لايتجزأ من تلك القوى التي تروم إلى تأسيس نظام سياسي جديد يقوم على الشراكة وليس المغالبة واستبداد الأغلبية على الأقلية .. وهو مايعني أن الأوضاع في مصر ستبقى ولفترة غير قصيرة في دائرة (الارتباك) والجاذبات التي يستحيل التكهن ألان بما ستفضي إليه على مستقبل هذا البلد العربي الكبير.
ولايختلف المشهد كثيرا في تونس .. فالخلافات بين من كانوا حلفاء بالأمس ضد نظام بن علي تتسع يوما بعد يوم وهو ماعبر عنه شركاء حزب حركة النهضة في السلطة بامتعاض بعد أن وجدوا هذا الحزب يتصرف مع حزب المؤتمر الجمهوري وحزب التكتل الديمقراطي بوصفهما حزبين يشكلان جزءا من ديكور المشهد السياسي وليس احد أعمدته إلى درجة أن هناك من بات يتهم التيار الإسلامي بأنه وبمجرد أن حقق الأكثرية الانتخابية وتقلد مقاليد الحكم تدثر بجلباب غير الجلباب الذي ظهر به وهو يقدم نفسه للشعب التونسي عقب انتفاضته على الرئيس بن علي.
ويصبح الملمح على درجة عالية من الخطورة في ليبيا التي لم تهتد حتى ألان للمسار الذي يقودها نحو الاستقرار وبناء مؤسسات الدولة .. فيما يرسم الوضع القاتم في سورية المأساة التي يعيشها هذا البلد الذي غاب فيه صوت العقل وحل محله منطق المغامرة والقتل والتدمير.
ولايشكل الوضع في اليمن استثناء فسياسة التقاسم والمحاصصة لم تنجح إلى هذه اللحظة في خلق حالة من الثقة والانسجام يمكن الاطمئنان إليها وبفعل الفراغ الحاصل فإن الكثير من استحقاقات المرحلة الانتقالية مازالت مؤجلة ما يدفع إلى التساؤل عن قدرة الرئيس عبدربه منصور هادي على نزع فتيل الألغام التي تعيق عملية المضي في طريق الوفاق وتحقيق روح المصالحة الشاملة

قد يعجبك ايضا