خطورة ضياع اللهجة المحلية على الهوية الوطنية



أمة الرزاق جحاف
< لأول مرة أجدني أبحث عن مدخل لموضوع لا أعرف كيف ألجه فأنا كنت دائما أتحيز لكل ما من شأنه ان يحقق التقارب بين الشعوب العربية من عوامل التكامل الثقافي بما فيها اللهجات المختلفة التي تعبر عن خصوصية الموروث الثقافي لكل إقليم عربي وفي نفس الوقت تؤصل لأدائها الوظيفي في أدوارها الحياتية وقد ساعدت وسائل الإعلام هذه اللهجات على عبور حدودها الجغرافية الأمر الذي سهل على الشعوب العربية فهم بعضها البعض وسهل أيضا عملية التواصل الانساني والمعرفي بينها خاصة ونحن نعرف أن اللهجة المحلية في المحكي اليومي إنما هي الوعاء الذي تتراكم فيه الخبرات الحياتية والمعارف التقليدية للشعوب على امتداد تاريخها وذلك منذ أن كانت اللغة مجرد أصوات وإشارات تخاطبيه في الجماعات البدائية إلى أن تبلورت إلى حروف وكلمات تتزايد مع كل خطوة تقدم تحققها البشرية ..
وبالطبع فإن الموقع الجغرافي له دور كبير في تنوع اللهجات بين أفراد الشعب الواحد ولذلك نجد اللهجات الشعبية تختلف من المرتفعات إلى السواحل والصحارى والسهول و حتى في الإقليم الجغرافي الواحد تتعدد اللهجات بسبب تنوع خصوصية التراكم المعرفي لكل حيز مكاني وخصوصية تنوع الفعل الانساني فيه.
ما دفعني إلى كتابة هذا المقال هو ما بدأت ألمسه أنا وغيري من المشتغلين بالثقافة من إقبال الشباب والشابات وحتى الأطفال على استبدال لهجاتهم المحلية الوطنية باللهجة الخليجية في أحاديثهم اليومية وفي تبادل الرسائل النصية والمواقع الالكترونية للتعارف الاجتماعي بل وصل الأمر إلى أنه أثناء حفلات الأعراس تزف العروس إلى المكان المخصص لجلوسها على زفة خليجية وما إن تجلس على منصتها حتى تنساب من مكبرات الصوت قراءة مقاطع شعرية من الشعر العامي الخليجي بصوت شعراء خليجيين وتكون إما على شكل إهداء غزلي على لسان العريس للعروس أو مقطع شعري على لسان والد العروس لابنته أو على لسان العروس لصديقاتها وكأن اليمن بلد الشعر وموطنه الأول قد أصبحت فجأة تخلو من الشعراء !
أما علامة الاستفهام والدهشة الكبيرة فقد ارتسمت على وجهي وأنا أتابع بعض الفقرات الفنية التي شارك بأدائها طلاب وطالبات بعض مدارس الأمانة في فعاليات عيد الوحدة حيث طغت اللهجة الخليجية في الأغاني والأناشيد التي قدموها حتى على اللغة العربية الفصحى بدون أي مبرر إلا إذا كان هناك توجه خفي يسعى إلى طمس الخصوصية الثقافية اليمنية وتعزيز ما بدأنا نشعر به ونلمسه من ضعف في مشاعر الانتماء الوطني لدى الشباب لغرض يعلمه أولوا العلم.
نحن نعرف بالطبع أن شبابنا بدأوا يشعرون أنهم فقدوا كرامتهم في وطن لا يحصلون فيه على حياة كريمة ولا لقمة شريفة وطن يفتقدون فيه إلى أبسط مقومات الحياة التي يحصل عليها رفقائهم الشباب في مختلف أنحاء العالم .
وطن لم يعد الشباب اليمنيون قادرين فيه على امتلاك الحلم تلك الطاقة الخلاقة المحفزة لكل الشباب والدافعة بهم لخوض أتون الحياة والمشاركة في صنعها. الشباب الذين يرون خيرات وطنهم منهوبه وامكانياته مدمرة وقدراته معطلة حتى أمواله المسروقة مكنوزة في بنوك خارجية لأن الذين تربعوا فوق كراسي السلطة لدرجة أنهم لم يفكروا حتى في اقامة مشاريع استثمارية داخل الوطن بالأموال التي سرقوها توفر للشباب فرص عمل تحفظ لهم كبرياءهم وكرامتهم ..
والمؤلم أن شبابنا لم يعودوا قادرين حتى على الهجرة للبحث عن فرصة عمل كما كان يفعل أباؤهم حين يضيقون بشظف العيش فيولون وجوههم شطر اخوانهم في دول الجوار فيحسنون استقبالهم ويفتحون لهم صدورهم وبيوتهم ويسلمون لهم زمام أعمالهم ويعاملونهم بكل مودة ويمنحونهم ثقة كاملة لأنهم يعرفون الأخلاق العالية التي يتصف بها المغترب اليمني من جهة ويعرفون أنه في بلاده يعيش معززا مكرما رغم شحة الامكانيات وأن خلفه حكومة لا تقبل إذلاله منذ أن وقع الإمام أحمد رحمه الله اتفاقية الطائف التي منحت المواطن اليمني نفس حقوق المواطنة في بلاد الأشقاء.
اما أبناؤنا فقد أقفلت في وجوههم الأبواب وسدت المنافذ ومن كان جوعه أكبر من قدرته على الصبر وتجرأ- بتفكير الشباب وتسرعه – على الخروج متسللا بدون علم احد حتى أهله لكنه ما إن يصل إلى الحدود الجديدة – التي هي في الاساس رسöمت فوق ارضه التي تم التنازل عنها للأشقاء بدون مقابل – حتى يستقبلونه بسياط التعذيب والإهانات والضرب حتى الموت ومن تمكن من النجاة من بين مخالبهم يعامل بإذلال ويوضع تحت رحمة الكفلاء..
ومع كل ذلك يجب أن لا يكون هذا مبرر يجيز للشباب أن يتنصلوا من ثقافتهم ويخجلوا من تأكيد انتمائهم لليمن وإعلان إفتخارهم بالانتساب إليه ألم يقل الزبيري رحمه الله
( ولو أني حللت ربوع نجم لهمت به إلى اليمن الوثوب )
وهذا هو دور المؤسسات التعليمية والثقافية في بلادنا يتوج جهودها المؤسسة الإعلا

قد يعجبك ايضا