فضل النقيب 

حسن اللوزي


حسن اللوزي

حسن اللوزي

ليس غريبا أن تصاب النفوس بصدمات عاتية لفقد من تحب وكما تتصدع وتنهار المباني الشاهقة من داخلها تكون اللحظات الفاجعة!!.. وكما ينكسر ويتماهى قوس علان.. وتنفر الفقرات في الهياكل الصلبة.. أو كما يتشظى محيط بأوجاعه المدمرة بأشكال من التسونامي!!.. ومثل ذلك بعض ما يعتري النفش البشرية التي عرفت الراحل العظيم فضل النقيب.. نعم ذلك الفضل الذي لا يغرب.. الفضل المؤبد في الإنسان السوي الكامل.. الإنسان العصي على نفسه.. وعلى كل ما يحفل به الملكوت من الاختبارات والتحديات والمواجهات لأنه الإنسان الذي عاش على التزام صارم بالقيم والمبادئ وعلى خلق عظيم في الصلات الإنسانية التي ارتبط بها بأروع وأنقى الأواصر..! ماكان لي أبدا أن اعرف كل تلك الصفات الجليلة.. والمناقب السامية وحقيقة الشخصية الإنسانية الراقية.. وجبلة الإنسان الفولاذ الرباني المعصوم بالأمل.. والتفاؤل وحقيقة الرضى لولا تلك الأيام.. والأسابيع بل والشهور التي عرفته فيها في عمان عاصمة الحب الأخوي لم يأت إليها في فسحة.. جاء لمهمة علاجية.. ودخل فيها في تجربة تهد الجبال الرواسي.. غير انه كان الأقوى في صبره وجلده.. وتحمله.. وكفاحه.. عرف جيدا أسرار ومفاتيح الاحتمالات التي قد توقع الإنسان في مصائد الأقدار.. واختبارات القضاء.. وخاصة عندما يتحول خطأ الطبيب إلى جناية لا تغتفر تطال أعز وأقرب الناس كما حدث بالنسبة لشريكة الحياة ورفيقة العمر!.

ومع ذلك كان الأقوى بذاته وبكل صفاته وبجميع أعضاء أسرته النبيلة التي تعلمت منه كيف تكون المواجهة العظيمة التي لايمكن أن تلخص بغير كتاب كامل حافل بالعبر.. والدروس لإنسان لا يمكن أن يعطى حقه من الوصف والتعريف إلا بكتاب آخر مماثل يمسك بالمواقف والأحداث ويبرز الصفات والمناقب ويقف أمام الخصائص والقسمات!!

نعم كانت شهورا قاسية في غمار المحنة الشخصية والأسرية التي لم تكن في حسبان الراحل الجليل!!.. إلا أنها لم تغير الإنسان.. لم تكسره.. أو تقهره.. أو تجعله يغادر ذاته المكتملة بحب الحياة.. وإرادة الكفاح.. ومتعة الجهاد الإنساني النبيل في حقل الإبداع.. والكلمة وفي الصلة اليومية العميقة بصاحبة الجلالة والسلطة الذكية الصحافة والكتابة اليومية المرهقة والمؤرقة وسر المتعة التي لا يعرفها إلا ذوو الهمم العالية والعزائم السامية!!.. وذلك جانب وضاء من جوانب الشخصية الفذة لفضل النقيب الكاتب والأديب والشاعر الأريب.. بل والمفكر العظيم الذي استطاع أن يجعل من الكلمة الحرة والصادقة.. والمهنة العصيبة المسئولة في حياته وجودا حيا ونابضا بالعطاء العظيم في خدمة وطنه.. وأمته.. والإنسانية التي آمن بها..

كيف يمكن أن يكون العمود اليومي في الصحيفة حلقة التزام مبدئي في سلسلة حياتيه مترابطة غنية وراقية تدور مع الأيام لتعطي الثمار الطيبة المباركة دون كلل وجود متواصل وفي كافة القضايا.. والهموم التي تمس شغاف الحياة وتشخص وتشرح أوجاعها وتصف الأحوال والمواقف بذكاء منقطع النظير.. وبدون حاجة للوعظ الصارم لتقدم الدواء الناجع.. وقبل ذلك المعرفة العميقة.. والإلماحات الذكية.. والفكاهة الراقية.

أعترف وأشهد بأن الراحل العظيم فضل النقيب أقدر من كتب العمود الصحفي اليومي بتقنية عالية وتميز لا يجارى في اللغة.. والأسلوب.. والتوظيف للأفكار والشهادات.. والصور في تركيز يشركك في صنع المحتوى باستدعاء ثقافتك.. وأختبار قدراتك وحسن مسايرتك وكأنك من كتب الموضوع معه.. وبدون مبالغات أو ممارسة الرياء وكأنك تقرأ في عموده صفحة كاملة.. أو تطلع على كتاب موجز في الموضوع الذي يتناوله والفضل في ذلك للثقافة الغنية والمتعددة التي يمتلكها..

أما الحديث عن روحه الساخرة والنقية والطيبة فهويحتاج إلى اهتمام خاص للاستفادة من تجليات عطائها في كافة الكتابات واستثمارها في كافة الميادين.. وبخاصة في الدراما الإذاعية والتلفزيونية لأن في كتاباته التاريخية ما يقدم زادا عميقا لرؤية نقدية معمقة للحياة السياسية في بلادنا وخاصة المراحل التي عاش في خضمها.. وواجهها.. وتصدى لمصاعبها ومصائبها على حد سواء.. ومايزال المنشور من تلك الكتابات شحيحا جدا فضلا عن إبداعه الشعري الذي هو أيضا يمثل مدرسة خاصة به في زحمة المبدعين الذين جايلوه.. والرجاء موجه من أعماق القلب إلى أبنائه الأعزاء وإلى أخوته الكرام الذين نطالبهم بالاهتمام بالعطاء العظيم الذي ابدعه وشكل به وجوده الوطني والعربي والإنساني ليأخذ مكانه في المكتبة اليمنية والعربية على حد سواء وعسى أن يجد الجميع وفي المقدمة المحبون له من القراء في اليمن ودولة الإمارات العربية المتحدة والوطن العربي.. يجدوا في ذلك حسن العزاء وإنا لله وإنا إليه راجعون.

قد يعجبك ايضا