عقول الكترونية وهروب الوالدين
الدكتورة رؤوفة حسن
الدكتورة/ رؤوفة حسن
لديك في يدك هاتفك السيار ترغب في حفظ رقم أو البحث عنه أو أي قدرة من إمكانيات هذه اللعب الصوتية والمصورة أحيانا الالكترونية فتستدير إلى ابنك أو ابنتك الذي يبلغ عمره عشر سنوات وأحيانا أقل وتطلب منهما عمل ما تريد مع تلك الآلة الصغيرة.
لم يعد مذهلا لأحد قدرة الأطفال المدهشة على التعامل مع الالكترونيات ببساطة مثل أي مهارة مكتسبة لا يشعر صاحبها أنه أجادها. ولأنك كأب تعرف أن التسالي الالكترونية هي التي صارت ترضي الأطفال وتسبب فرحهم بالهدايا فتهديهم لعبة الكترونية أو تسمح لهم باللعب على برنامج الألعاب الموجود في يدك بهاتفك السيار.
فجأة تكتشف انشغالهم وشغفهم بها حتى أنهم لا يلتفتون إلى أي شيء آخر. وقد تستسهل اللعبة فهي فقط مثلا عبارة عن أيقونة وهو أحد تعبيرات عالم الكمبيوتر والالكترونيات أي أنه شيء مرسوم متحرك له لون وتفصيل خاص به يمكن التحكم في حركته بالأصابع عبر سهم أو ريموت كنترول وتشكيلات متشابهة أخرى وسدود وأحيانا بوابات يتم فتحها عند عبور المرحلة الأولى من اللعبة للدخول في المرحلة الثانية.
وفي مثل هذه اللعبة وكذلك تلك الموجودة في محلات الأتاري في الشارع التي يصرفون مصروف الجيب وجعالة وعسب العيد عليها توجد تسمية لعملية تحريك الأيقونة لتحقيق انتهاء المراحل وذلك بعملية أكل الأيقونة الرئيسية للأيقونات الأخرى وتسمى عملية صيد أو قتل الأيقونات الأخرى.
وفي بعض الألعاب تكون الأيقونات كلها عليها رسوم تبرر عملية القتل أو الصيد أو الالتهام مثل تشكيل شخصيات شريرة لأنهن نساء متبرجات أو نساء ملثمات أو أشخاص من ذوي البشرة الداكنة أو ممثلو حضارات قديمة أو مذاهب أو متهمون بالإرهاب أو لصوص أو مجرمون أو جنود خونة أو اسماك وحيوانات بحرية أو طيور لتبرير كلمة الصيد وكلمة القتل..
بينما تمثل الأيقونة القاتلة شخصية اللاعب..
أي شخصيتك أنت المتحكم في الأيقونة الرئيسية. وهكذا ترون أن القصة سهلة متاحة متوفرة تؤدي من ناحية الشكل والحركة إلى قدرة هائلة على التحكم في الآلة وتحريك أسهمها واستخدام المفاتيح المتاحة بها وبساطة التعامل معها والانغماس في لعبة تبدأ عقلية وتنتهي ميكانيكية متكررة يفقد الطفل اهتمامه بها بمجرد تحكمه في كل خطواتها وقدرته على اجتياز كل مراحلها.
وخلال فترة الاستغراق الأولي يسعد بعض الآباء بصمت أبنائهم وانشغالهم بشيء يعرفون ما هو كآباء ولا يتم بعيدا عن أعينهم الخائفة على مستقبل الأطفال. فيلبون رغبة الطفل في شراء مزيد من الألعاب كلما أمكن وحتى تصبح مطالباتهم الملحة المتكررة بالكمبيوتر يحضرونه هدية لمناسبة ما أو جزء من محاولة اشغال الأبناء بعيدا عنهم إذا كانت إمكانياتهم تسمح بذلك.
تشكيل العقول والضمائر: في نفس الوقت الذي تحدث فيه كل العمليات السابقة تتطور قدرات الطفل اللغوية بلغة جديدة تدخل فيها مصطلحات الكمبيوتر وتتطور لديهم القدرة الاتصالية التفاعلية بالعين والأصابع لأن الصور لا تمر بهم كالتلفزيون دون تفاعل بل هي تتشكل كالعجينة تحت أيديهم وتتحرك حيث يرغبون في المساحة المربعة أو المستطيلة مما يسمى الشاشة.
ولأن الخير والشر متلازمان فالألعاب الالكترونية والكمبيوتر والخدمات الملحقة بها تحمل في نفس الوقت مفاهيم وسلوكيات بعضها ضار وبعضها خطر وبعضها يوجد التطرف أو يؤدي إلى الانعزال.
وبسبب انغماس العقل في التركيز فإن ثبات الجسم يصبح معتادا والجلوس الخاطئ واتجاه الرقبة يتكلس حتى يصاب بالتشنجات والتشوه. الحال نفسه كحال مخزني القات الذين يجلسون لساعات طويلة على جانب واحد فإنك لو تأملتهم وهم يسيرون في الشوارع ستلاحظ الاعوجاج في قاماتهم حيث يميل الجسم إلى جانب واحد.
مسؤوليات وهروب أو قلة حيلة: هذه الأيام يعرف الآباء مسؤولياتهم تلك لكن مشاغلهم مع أصدقائهم تغلب على مسؤولياتهم تجاه الأبناء والبنات وعملية التربية ككل.
وتعرف الأمهات مسؤولياتهن فإن كن متعلمات فهمن كيفية حل إشكالات الإدمان على هذه الآلات وكيفية التعامل مع جوانب الخير والفائدة فيها وتجنب الشرور وإن كن غير متعلمات وهن الغالبية من الأمهات تعاملن بمفاهيم الأمس عن دورهن مع الأطفال في مواجهة آلات وحداثة الحاضر التي لا يعلمن عن طريقة التحكم فيها شيئا.
وتمثل هذه اللعب لهن وسيلة الهاء جيدة تشغل أولادهن عن الصخب والضجة التي كانت تبني أجسامهم وتزعجهن ويتقبلن إعطاءهم الأكل الضار الذي يطلبون مثل البطاطس المقلية والمواد المنكهة كيميائيا بدلا من الوجبات دون معرفة أو تفكير في العواقب.
فالآلات مريحة تلعب دور الجدة والمربية والجارة التي كانت تأخذ بالها من الأطفال وما يحدث بعد ذلك يعرفه علماء النفس التربوي ويحتاج من المتعلمين في الأسرة إلى يقظة ضمير.