معطيات الواقع! 

علي ربيع



علي ربيع

علي ربيع

الخطابات التي تدفع باتجاه أسوأ الحلول في اليمن ليست مجنونة وحسب وإنما مرتهنة لشيطان يلهو بالدم والمشكلة أنها تعرف تماما النتائج الكارثية التي تفتح صدرها المهلك لاحتضان المستقبل اليمني الملغوم بمحاذير كثيرة ليس في مقدمتها التخلف الاجتماعي وشحة الموارد الاقتصادية ولكن تربص مراكز القوى ببعضها بعدائية مفرطة تلغي وتكفر وتصادر وتقتل وليس لديها مشروع وطني قابل للحياة ولا الإيمان بأي مشروع وطني لا تكون الأولوية فيه لوجودها.

لقد صار المجتمع الدولي برمته على يقين أكثر من ذي قبل بأن التعامل مع قضية التغيير في اليمن أشبه ما يكون بالتعامل مع حقل من المتفجرات فائقة الحساسية لذلك نجد دوله اللاعبة في أكثر من موقف تتشبث دائما بالخيار الآمن لنقل السلطة بما يكفل بقاء هيكل الدولة والتركيز على مسألة الحوار لحل المسائل العالقة بين أطراف الأزمة اليمنية.

لقد قطعت المفاوضات حتى الآن طريقا وعرا وشاقا ولم يبق سوى المصداقية في إنجاز حل ينتظره كل اليمنيين منذ أن اندلع طوفان الأزمة في فبراير الماضي وركبته ذات القوى التي أزهقت فيما مضى الحلم بإنجاز مكتمل لمشروع الدولة مما يعني الآن ضرورة انصياع هذه القوى لشروط الواقع والإيمان بأنه لا مستقبل لأحد بدون وجود الآخر على قاعدة وطنية خالصة لا تسيرها أهواء الداخل ولا عواصف الخارج.

ربما لم يفاجأ المتمرس بالواقع اليمني بحاصل هذا الحصاد الذي بذرته حمى الربيع العربي في اليمن كما يدرك المتبصرون أيضا أن المستقبل القريب لهذا الحصاد لن يكون في مأمن من تداعيات عاصفة أيضا مدفوعة بقوة المعطى الاجتماعي الذي تلوح نذره على مرمى حجر متدافعة من كل الاتجاهات وتحت رايات أبعد ما تكون عن البعد الوطني الخالص. ولهذا يبقى التكهن بما سيؤول إليه مخاض مستقبل الدولة في اليمن مستعصيا ومرهونا بمقدار مصداقية قوى السياسة المهيمنة والمتصارعة..

ويستدعي ذلك أنه من اللازم على مكونات النسيج اليمني أن تتشبع بحقيقة أن اليمن للجميع وبأنها بحاجة لتغيير جذري يستهدف مفهوم الدولة ووظيفتها بناء على معايير العصر أما مسألة ترميم المفهوم والوظيفة القائمة بغرض اجتياز اللحظة الآنية فلن ينتج عنه سوى تهيئة الأرضية ذاتها لإنتاج أشكال جديدة من الصراع لن تتورع أطرافها عن انتهاك مستقبل الدولة في اليمن أو السطو على أي أفق يلوح يستهدف تنمية الإنسان ليضطلع بفاعليته في تحقيق مجتمع الدولة الحديث.

في الآن ذاته ينبغي التنبه أنه لن يلتفت إلينا الخارج الصديق أو الشقيق إلا بمقدار ما يراه ملبيا لمصالحه في الأمن أو متسقا مع مقتضيات لعب القذارة السياسة أما غير ذلك فمسألة تخص اليمنيين وحدهم ولن نتوقع من الآخرين أكثر مما توقع التونسيون أوالمصريون فبعد أن قوض ربيع قرطاج أركان سلطة بن علي تمخضت يد الحرية المعطاءة لأوباما عن فتات لم يتجاوز الثلاثين مليون دولار ووعودا بتشجيع المستثمرين الأمريكيين للذهاب إلى تونس وتقديم الضمانات إن أرادت تونس قرع أبواب بنوك الإقراض العالمي. وعلينا في اليمن ألا نؤمل أكثر من ذلك قد يضاف إليه في أحسن حال شحنة قمح مشكوك في صلاحيتها أو ما تيسر من أدوات مكافحة الإرهاب.

تساؤل:

نتساءل مثلنا مثل بقية اليمنيين ونترقب لحظة نتنفس فيها الصعداء متى تضع الأزمة أوزارها¿ ولماذا تصعيد العنف في تعز بالتزامن مع زيارة المبعوث الأممي¿ وما معنى أن يتحدث الفرقاء في السلطة والمعارضة عن انتهاء وشيك لرحلة المفاوضات في الوقت الذي تسعى بعض الأطراف إلى خلط الأوراق وتأجيج معترك الأزمة باللجوء إلى القتل والتخريب ورفع سقف عدوانية الخطاب الإعلامي الموجه للشارع المحلي أو الخارجي¿ الإجابة تقول فتش عن المستفيد!
 

قد يعجبك ايضا