حكايا بصرية في تجربة الفنانة: آمنة النصيري
نزاز قباني
»أرفض وضع المرأة كـ»عبده بيتية« تهدر طاقاتها في كدح غير منتج إلى حد غير معقول .. حقير .. مثير للأعصاب.. مبلد.. وساحق الوطأة«
فلاديمير إيليتش
مبدأ
الثاني الابتدائي.. حصة ما.. أستاذ متحمس.. مجموعة خطوط متعرجة.. متداخلة.. صاعدة وهابطة.. وخاطب تلامذته.. يطلب منهم رسم تلك الشجرة والتي لقنهم مبادئ رسمها على السبورة و»راح جميع الصغار يستحضرونها من أذهانهم بالشكل الذي أملي عليهم من الأستاذ« باستثناء إحدى التلميذات غردت خارج السرب تماما وعلى نحو ربما بدا لا منطقيا للأستاذ.. أن تصنع الصغيرة آمنة شجرتها الخاصة بها »ما زلت أذكر فروعها الممتدة وهيئتها البسيطة للغاية.. كانت جد مختلفة عن رسوم زملاء الصف.. التي بدت استنساخا من شكل واحد.. بينما شذت هي.. وبدت للأستاذ غريبة لا تشبه شجرته التي بذل جهدا كبيرا في رسمها وتعليمها للأطفال«.
وكانت النتائج مؤلمة.. صدمة قاسية على مستويين.. الأول: رسوبها في مادة الرسم التي تحبها جدا.. الثاني: معايشتها أول فشل لها في حياتها لماذا أو كيف..¿! تجيبك في شهادتها:»كوني أختلف في تصوري للأشياء التي أراها« لكنها ورغم كل ما حاق بها من عقوبات تابعت الرسم بذات المبدأ تصورها المختلف – والذي سارت عليه واتخذت منه الفنانة آمنة النصيري وسيلة وغاية في اشتغالها الإبداعي منذ احترفت الفن البصري الذي أصبح اسمها اختصارا وافيا للمشهد التشكيلي المحلي.. فلا يذكر إلا وترد حروف اسمها الأربعة على رأس قائمة أهم التشكيليين اليمنيين لاعتبارات لا تحصى… عل أهمها: تميز تجربتها الفنية عن نظيراتها وانفرادها بطابعها الخاص ذي الملامح الاستثنائية إضافة إلى عملها الأكاديمي الممارسة النقدية العميقة وكتابة القصة القصيرة في فترة مبكرة من مشوارها الإبداعي.. كل ذلك جعلها تحظى »باهتمام من الوسط الثقافي المحلي والكثير من التشجيع الذي من أهم أسبابه هو أن فتاة ترسم وتكتب بمستوى جيد.. وبرؤية فكرية.. في مجتمع تقل فيه هذه القدرات عند النساء.. غير أن تلك النجومية النسبية لم تخلصني من قلق تسلل إلى حياتي.. وبدأ يفسد إحساسي بالنجاح والتفوق«.
مقامات
إن المعيار الأساس للنجاح الأبدي هو:» تجاوز الذات والآخر باستمرار وفاعلية.. وليس الوصول للقمة هو الغاية النهائية لكن الأهم من ذلك هو التربع على عرش القمة وعلى نحو دائم ومتجدد« وهو ما يعني ضرورة أن يخلص الفنان لاشتغاله الإبداعي بوعي وبدون وعي.. باتخاذه عددا من التحصينات الذاتية كعدم رضاه أبدا عن نفسه وبمعايشته الدائمة والكاملة للقلق الفعال الذي يدفعه أولا بأول إلى مراجعة حساباته والتدقيق في منجزه بشتى مراحله زمنيا وفنيا.. ليقرر على ضوء ذلك كله: أين وكيف- تاليا سيضع قدميه.. بصدى يكتب لتجربته الإرتقاء والتطور بناء على كم وكيف نضوج وعيه الفكري الذي لا بد سيوصله إلى تمثل وصية الفرد وايتهيد »يزدهر الفن حيث توجد روح المغامرة« ما يحول الفنان إلى بندول ساعة لا يهدأ ولا يمل أو يكل في تأرجحاته الدائبة ذهابا وإيابا على توقيت التجريب الذي يتيح له مشارفة وارتياد عوالم وفضاءات ثرة المغايرة مظهرا وجوهرا وهو ما نجده حاضرا وبقوة لدى الفنانة آمنة النصيري.. والتي تعي وعيا تاما مدى ضرورة وأهمية الإقدام على المغامرة والتجريب.. والتواصل مع الآخر.. لأن غيابها تكريس لعزلة الفنان وجهله بما يدور حوله وتعميق لانطوائه على ذاته.. ولتكراره تجربة محدودة.. يصل أحيانا إلى درجة استهلاكها« رؤية كهذه ما كانت لتكون وتتحقق إلا ليقين تام تؤمن به الفنانة نفسها.. أوردته في إحدى دراساتها ومفاده أن الفن قبل أي شيء هو ثورة حقيقية على كل ما هو بال من القيم.. وهو انعتاق نحو حرية لا محدودة« كما أنها من جهة أخرى.. ترى وعلى نحو جازم أن الفنان لا يملك إلا أن يعيش قلقا دائما« كونه دافع الإبداع الأساس حسب »هيدجر« والذي أطلق على هذا القلق تسمية خاصة هي: (الضمير الخاص بالفنان).
إن المتأمل لتجربة الفنانة آمنة النصيري عبر مختلف انعطافاتها – أقول انعطافات وليس مراحل وذلك حسب إقرار الفنانة نفسها – سيلحظ بسهولة ويسر فقط إن كان متابعا لتناولاتها النظرية مدى عظيم استفادتها من ممارستها للنقد الفني.. والذي وثقت جزءا كبيرا منه في موسوعتها الرائدة »مقامات اللون« الصادر خلال فعالية صنعاء عاصمة الثقافة العربية 2004م حتى أن لها وجهة نظر خاصة في هذا المجال.. إذ- في حوار مع الكاتب لم ينشر بعد- تصرح بالقول:»كلما كانت لدى الناقد رغبة في إنجاز دراسات خلاقة وعميقة كلما اقتضى ذلك مزيدا من البحث والمعرفة« وهو ما رأت فيه جانبا إيجابيا كونها فنانة وتمارس النقد الفني.
بوصلة..!!
ومنذ بداياتها الأولى.. ساكنتها هواجس عدة.. جعلتها تنشغل في هموم تفاوتت بين الذاتية والموضوعية.. حيث أصبح يشغلها »التفكير في إ