يوم في العام للغة العربية إشارة في طريق التحديات!!
حسن اللوزي
حسن اللوزي
حسن اللوزي
لقد كان قرار المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بتحديد يوم الأول من مارس من كل عام يوما أو عيدا للغة العربية موفقا من باب فعل الأمر الحسن أو وجود الشيء أفضل من عدمه.. والتنبيه لأخذ الاهتمام أفضل من السبات في الغفلة التي صارت عميقة.. بل ومؤذية.. وخاصة مع الإدراك لما تمثله اللغة بالنسبة لحياة كل شعب أو أمة من كافة الجوانب الاجتماعية والثقافية.. أو بالنسبة للوجود الحي في فعل الحياة وبناء الحضارة أو المشاركة فيها..
فاللغة ليست عنصرا جوهريا في بنية الحياة الاجتماعية فحسب وإنما هي الركن الحضاري الأول في إقامة الصöلات الاجتماعية.. وإن كل مجتمع وإن كان قادرا على استخدام لغات أخرى وتحقيق النهوض بها فإنه بحاجة وجودية للغة التي تحفظ وتبرز وتنمي قسمات شخصيته.. وبصمات مميزاته.. وثقافته وصور اقتداره الأخرى بما في ذلك فيض الخيال!.
وإن كانت هناك في تاريخ البشرية لغات كثيرة قد وجدت وانقرضت وبقيت المجتمعات التي كانت تتحدث بها وتتعارف وصارت تمتلك لغة أخرى أو لغات متعددة ومتداخلة فإن الأمة العربية والإسلامية لايمكن – وحتى يرث الله الأرض ومن عليها- أن تعيش حياتها وعقيدتها وقيمها وتفصح عن شخصيتها الثقافية والاجتماعية والإبداعية بدون اللغة العربية فهي إذن لغة استمرار وجود.. وحياة.. وانتماء وعقيدة…الخ.
إن هذا الفهم هو الذي يجعل الكثير من المفكرين والمثقفين العرب والمسلمين يقلقون من المصير المؤسف الذي آلت إليه لغتنا العربية.. لغة القرآن الكريم.. وإذا كانت المراحل التاريخية المتهاوية في براثن التخلف في القرون الماضية بما فيها الحقب التي رزحت فيها الأمة تحت نير الاستعمار والتخلف بكل عوامله وصوره قد فرضت ذلكم الواقع المرير.. ومنتنا بتلك الهزيمة المنكرة في مواجهة التدافع والتنافس الحضاري.. إلخ.. فإننا في القرن الحادي والعشرين قرن ما بعد الثورات الاتصالية والمعرفية والتقنية الهائلة.. وقرن البيت البشري الصغير الواحد والمتعدد وقرن سيادة قيم الحرية وحقوق الإنسان.. وهيمنة المعرفة باعتبارها قوة وسيطرة وسلطان تأثير لا حدود لها.. فإن التهديد للغة العربية يبقى مضاعفا عشرات المرات اليوم وفي هذا الزمن العاتي بفيضاناته الإبداعية الإعلامية والاتصالية بصورة خاصة لأننا نواجه عديد اللغات القادرة على اقتحام حياتنا.. وفرض وجودها علينا.. وعديد الثقافات التي صارت تظلل هذا الكوكب الصغير الذي لم يعد وديعا.. ولا مسالما بالنسبة لمعركة الانتماء الحضاري.. ولا استدعي هنا مصطلح صراع الحضارات.. لأن الحضارة القائمة اليوم هي حضارة واحدة تفرد أشرعتها على كل جهات الأرض وهي تقول بطريقتها لكل شعب ولكل أمة هيت لك¿ وهي تتحدى الجميع بما في ذلك اللغات الإنسانية الراقية.. والصامدة بما في ذلك اللغة العربية والشعوب والأمم المنتمية لهذه اللغات¿¿ فماذا عملنا من أجل الاستجابة لذلك التحدي وما هي رؤيتنا لانتصارنا للغتنا العربية¿.. هناك أسئلة كثيرة لم تجب عليها قصة الاحتفال بإعلان الأول من مارس يوما للغة العربية¿! كما أن الخطة التي وضعت لذلك وتم تعميمها على الأقطار العربية تبدو متواضعة إلى درجة الاعتراف بالضعف.. والعجز ولا أقول الهزيمة وخاصة وأن عناصرها لم تتناول العمق المطلوب في هذه المعركة الحضارية الكبرى.
مع ذلك فإن السؤال أيضا يعيد نفسه بصيغة أخرى هل الأقطار العربية والمنظمات والمؤسسات التي خاطبتها الخطة سوف تلتزم بالتطبيق¿! وذلك إيمانا بأن لغتنا العربية هي عنوان وجودنا ووعاء حضارتنا الجديدة وهي الكيان الحي.. والمتطور بعطائنا واقتدارنا والذي نستطيع به خوض صراع الشراكة والسباق في المضمار الحضاري والإنساني الذي يتسع لكل اللغات ويتيح الفرصة لكل الأمم في خوض التحديات المتصلة بتنمية الوجود.. والحفاظ على البقاء أم أن الأمر غير ذلك¿! مجرد إرضاء العاطفة المجروحة بعديد من الأنياب والمخالب¿!.
إن مجرد الإعلان عن جعل الأول من مارس يوما للغة العربية في الأقطار العربية والالتزام به وتنفيذ ما يرتبط بذلك من نشاط ثقافي وتربوي وتعليمي وعلمي واجتماعي لا يكفي بل لا يفي بتحريك وإطلاق طاقات اللغة العربية من الأغلال التي أحاطتها بها العهود المظلمة وحتى لا تبقى في وضع الكائن الحي الخامل باستمرار تقاعس الأمة العربية والإسلامية عن أداء مسؤولياتها تجاهها ذلك أن العمل المطلوب كبير وشامل ومتسع على امتداد حقول الحياة وآفاقها المترامية وهو ما يوجب توظيف الطاقات والعقول والأموال والقدرات وجبروت العلم والتقنيات المتجددة واستثمارها جميعا بداية من البيت والخلية الأساسية للمجتمع وهي الأسرة وتواصلا بالحضانات والمدارس في مختلف مراحلها والكليات والجامعات ومؤسسات الإعلام والثقافة ومؤسسات المجتمع المدني.. وفي العمق في الأعمال الإبداعية المحاكية لحياة الأمة واستلهام دروسها في التاريخ وجهادها