… وأريتريا كذلك 

عبدالرحمن بجاش



عبدالرحمن بجاش

عبدالرحمن بجاش

{ ذات مرحلة مهمة في حياتنا وتحديدا في الستينيات وبعض سنوات السبعينيات كان الناس لا وجهة لهم إلا أسمرة أو كما كانوا وبلهجة يمنية محببة «عصúمرة» وتردد كثيرا في حياة الناس اسم ميناءي «عصب» و«مصوع» ولا يزال زميلي وصديق العمر فؤاد عبدالقادر يتذكر تلك الأيام الجميلة حيث كان يمتطي ظهر أي «زنبوق» من المخا ولا يتوقف إلا في حضن عمه هناك على الجانب الآخر من بحر المخا هناك في حضن أريتريا – أيضا – الذي قال : تستقبلني كما تستقبلني أمي يكفي أنني يمني فذاك جواز المرور ليس للدخول إلى أريتريا الجزء من عمقنا بل وإلى قلوب الأريتريين.

ويوم أن كانت أريتريا ضمن الحبشة فمن أيام النجاشي واليمنيون يمخرون عباب البحر متجهين بقلوبهم وأبصارهم نحو تلك الأرض حيث الرزق والأمان ورجل منح منú أتى من جزيرة العرب كل الأمان : «اذهبوا إلى الحبشة فإن هنالك ملكا لا يظلم عنده أحد».

وإن أرادت الأجيال الجديدة أن تعرف ما يجمعنا من علاقات تاريخية بالمنطقة التي تقابلنا في الجانب الآخر من البحر فعليهم أن يقرأوا روايات محمد عبدالولي ويعيدون ألف مرة سماع رائعة مطهر الإرياني «البالة» وصوت الشجن علي السمة وسيدركون ماذا تعني الحبشة بالأمس واليوم وماذا تعني أريتريا اليوم والغد.

كانت أسمرة مهوى القلوب والأفئدة في تلك المرحلة فمنú يبحث عن العلاج كان يذهب إليها قبل القاهرة وعمان ومنú يريد الاستجمام عليه بأسمرة وأسمرة لا تزال إلى اليوم المدينة التي إن «وضعت دراجتك الهوائية على ناصية أي شارع فستعود اليوم التالي وهي لا تزال في مكانها» قالها صحفي ذات لحظة وقد جال في أنحائها.

وحين كان اليمني يسافر إلى الخارج ولا بد له أن يمر بمطار وسيط فيكمل رحلته من أسمرة ولو كان جوهر ذلك الطيار أحد أبطال السبعين يوما لا يزال حيا لحدثكم عن أريتريا والحبشة ما يملأ مجلدات كذلك كان الطيار الفذ الآخر كابتن الزريقي والقباطي وهما من رواد البحر من اليابسة اليمن إلى اليابسة الأخرى التي كانت قبل «كانتا رتúقا ففتقúناهما» يابسة واحدة لكن البحر – أيضا – يظل جامعا للمشاعر والقلوب.

ذات مرة كتب الصديق والزميل نصر طه مصطفى أن اتجهوا إلى القرن الأفريقي وأنا وبتواضع بلا حدود أذكر بما طرحه وقاله فعمقنا هناك وجذورنا التي هنا أينعت فثمارها هناك.

وانظر ولأن هوى القلب واحد والإحساس بالانتماء واحد فحين تعاركت الأمعاء في ظل سحابة صيف حنيش تغلبت الحكمة واحتكمنا كما يفعل الأخوان في البيت الواحد وعدنا بحكم القاضي إلى وسط صالة البيت إخوة فأريتريا اليوم والحبشة وجيبوتي والصومال وكينيا والسودان خلفهم عمقنا كما هو الخليج الوجه الآخر للعمق وبوجهي العملة يصبح لها القيمة الكبيرة وإلا فلن تجد بنكا في الكون يتعامل معها وبها.

ليس هي السياسة وحدها منú يفترض أن تتوجه إلى العمق الاستراتيجي بل إن الآداب بمختلف ألوانها وأشجانها وسيلة مثلى لإعادة اللحمة ولتقوية أواصر التواصل وما انقطع بفعل تقادم الأيام وهي فرصة سانحة لأن نعيد التذكير بأن بلدا مثل كينيا يفترض أن يكون حاضرا فلا يزال اليمنيون هناك لهم موطئ قدم لا يزالون محبوبين وجزءا من المكون فما بالنا لا نحضر كينيا إلينا كما أحضرتنا إليها ذات يوم فآثارنا هناك وبقوة لا تزال شاهدة على مرورنا وبقائنا ولا يجوز أن تضيع منا كجزء مهم من العمق كما هي الصومال التي نحن حاضرون فيها وحاضرة فينا لا بد أن نتجه إلى القرن الأفريقي هم الحديقة الخلفية للبيت ونحن الأمامية لهم ولا يكفي أن نتحدث عن علاقة هي قوية على المستوى السياسي بل نريد لليمن أن تنتقل باهتمام إنسانها وثقافته وآدابه وفنونه وتجوال بشره في تلك الأرض التي هي جزء منا فاتجهوا إلى القرن الأفريقي ومثلما حضرت جيبوتي كانت بادرة جميلة وفي محلها أن يأتي إسياسي أفورقي ليكمل المشهد والذي نتمناه أن نرى ذات لحظة وقد اكتملت مكونات الصورة بالسودان مرورا بأثيوبيا فالصومال وكينيا وجيبوتي لنرى الجميع هنا ونرى أنفسنا هناك.

}  }  }  }

د . عبدالمجيد مسعود

{ كثيرون فوجئوا بتعزية في وفاة طبيب العيون الماهر الذي توفي دون أن يعرف أحد ومسعود أحد كفاءات هذه البلاد ظل يعمل بصمت واختفى دون أن يشعر أحد أو يسأل أحد ولو لم تكن تلك التعزية اليتيمة لما درى أحد هكذا هم الرائعون يموتون بدون ضجيج.
 

قد يعجبك ايضا