الحركة الطلابية الشبابية شكلت نواة الثورة.. وأسست تنظيم الضباط الأحرار

مراحل الثورة
وعند استعراض مراحل الثورة فقد انخرط المناضلون الشرفاء من قادة الثورة الذي شكل الشباب الغالبية فيهم ..انخرطوا في مسيرة النضال الوطني لدعم مسيرة الثورة عبر الانتفاضات والحركات المتكررة بدءاٍ من ثورة 1948م إلى حركة 1955م ثم 1959م حتى قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م والدفاع عنها ببذل أزكى وأطهر الدماء من خيرة رجالها فداءٍ للثورة.
وتعكس المحاولات المتعاقبة لإنهاء الحكم الإمامي والاستعماري تلك الإرادة الصلبة للشعب اليمني الذي ظل تواقاٍ للحرية والتخلص من الحكم الإمامي البغيض والاحتلال البريطاني السلاطيني الذي ظل جاثماٍ على الوطن ردحاٍ من الزمن فهبت المجاميع من مختلف أنحاء الوطن للنضال والكفاح من أجل التحرر من الظلم والاستبداد والجهل والتخلف الذي مارسه الحكم الإمامي والاستعماري وقدم الثوار الأبطال التضحيات الجسام من خلال قوافل الشهداء من خيرة أبناء الوطن اليمني الحبيب ليستعيد اليمن وشعبه حريته واستقلاله.
الثورة الدستورية
بداية الثورة كانت مع التخطيط لقيام الثورة الدستورية اليمنية (أم الثورات) وهي ثورة 1948م والتي قامت في 17 فبراير 1948م حينما قام عدد من ضباط الجيش ومشائخ القبائل أبرزهم شيخ مشايخ قبيلة مراد الشيخ علي بن ناصر القردعي , والذي كانت علاقته سيئة بالإمام , والضابط عبد الله الوزير , و نجل الإمام يحيى إبراهيم حميد الدين بمحاولة انقلاب وإنشاء دستور مدني للبلاد عام 1948م والتي أسفرت عن مقتل الإمام يحيى برصاصة من بندقية القردعي أصابت رأسه في منطقة حزيز جنوب صنعاء حيث أزيح آل حميد الدين من الحكم وتولى عبدالله الوزير السلطة كإمام دستوري لكن الثورة فشلت بعد أن قام الإمام أحمد حميد الدين بثورة مضادة مؤيدة بأنصاره من القبائل ليتمكن من إجهاض الثورة وإعدام الثوار.
حركة 1955م
عقب فشل ثورة 1948م تيقن الأمام أحمد أن قوة الثوار تتركز في صنعاء والمحافظات القريبة منها وبالتالي فقد نقل مقر حكمه إلى مدينة تعز واتخذ منها عاصمة لحكمة تجنباٍ للدخول في مواجهة جديدة مع الثوار الساعين للإطاحة بحكمه.
ولم يترك الضباط الأحرار الذي يضم خيرة شباب اليمن الفرصة للامام أحمد أنفاسه حيث تم التخطيط للقيام بالثورة بأسلوب مختلف من خلال إقصاء الإمام أحمد دون قتله وإسناد الإمامة إلى أحد إخوانه المعتدلين ووقع الاختيار على الأمير عبدالله بن يحيى حميد الدين خلفاٍ لشقيقه الإمام أحمد .. وأوكلت تلك المهمة للمقدم أحمد الثلايا قائد حرس الامام أحمد حيث اتفق الثلايا مع رجال الحرس في قصر صالة الذي يقيم فيه الإمام أحمد على إبقاء الإمام أحمد رهن الاعتقال في السجن والإقامة الجبرية في القصر على أن يظل مواطناٍ عادياٍ وفي يوم 31 مارس عام 1955م قام الثلايا بإبلاغ الإمام أحمد تلفونياٍ بأنه أصبح معزولاٍ وأنه تم مبايعة الامام عبد الله بن يحيى حميد الدين بدلاٍ عنه ورد الإمام أحمد بالموافقة وأنه تنازل عن الحكم من يده اليمنى إلى يده اليسرى ولكنه في حقيقة الأمر لم تلك إلا أحد الحيل والمكر التي دأب عليها الامام أحمد فالبرغم من مبايعة شيوخ القبائل وأهل الحل والعقد للامام الجديد عبدالله بن يحيى إلا أن حكمه لم يستمر سوى عشرة أيام حيث استخدم الامام المعزول أحمد حميد الدين دهائه ومكره وتمكن بواسطة المال من استمالة الحراس الذين كانوا يحاصرون القصر وخرج في الليل إلى قصر العرضي الذي كان يقيم فيه الإمام الجديد عبدالله فألقى القبض عليه وعلى عدد من رجاله وهرب الثلايا من مدينة تعز لكن جنود الامام تمكنوا من القبض عليه وتقديمه للمحاكمة و حكم عليه بالاعدام.
وجسدت محاكمة الشهيد الشاب أحمد الثلايا أروع الصور في البذل والعطاء والتضحية في سبيل الحرية والكرامة حينما وقف الثلايا شجاعاٍ غير مبالُ بالإعدام مؤكداٍ أنه ثار من أجل الشعب اليمني العظيم وأحال الامام أحمد الحكم للشعب اليمني فوافق الثلايا على حكم الشعب حيث كانت المحاكمة علنية بحضور عدد من عامة الشعب في ملعب كرة القدم بمدينة تعز لكن الحاضرين كانوا ممن غرر بهم الامام أحمد وأقنعهم أن الثلايا خان الأمانة وتمرد على الأوامر فكان حكمهم هو الإعدام فرد عليهم الثلايا بالقول : لقد أقدمت على ما أقدمت عليه وكنت مرتاح الضمير وأنا ما ثرتْ على النظام وأهله بل وجلاديه إلا عندما رأيتكم بهذه الحالة الكئيبة المزرية لقد ثرت من أجلكم وفي سبيل الدفاع عنكم لأنني كرهت الحاكم وأربابه حينما تأكد لي أنكم تعانون كل أسباب القمع والفقر والبؤس والشقاء أنا ما ثرت إلا من أجلكم ومن أجل أن تعيشوا كما يعيش البشر بل كما يعيش هؤلاء الذين يستعبدونكم ليلاٍ نهاراٍ ومنذ زمن بعيد فرد عليه بعض المنافقين بقولهم إنك تستحق الإعدام فرد عليهم الثلايا بمقولته الشهيرة (قبحت من شعبُ أردتْ لك الحياة وأردت لي الموت) .. فقام السياف بتنفيذ أمر الإعدام بقطع عنق الثلايا بالسيف.
محاولة اغتيال الإمام أحمد
في 26مارس 1961م قام ثلاثة من الأبطال الأحرار الشباب وهم عبدالله اللقية ومحمد العلفي ومحسن الهندوانة بعملية فدائية بطولية نادرة وأطلقوا الرصاص على الإمام أحمد عند وصوله إلى المستشفى في الحديدة لزيارة رئيس حرسه المقدم علي حسين مانع ليحطموا تلك الأسطورة الكاذبة مما كان يشاع عن الإمام أحمد من أنه مصرَف ولا يصيبه أي أذى وأن الرصاص لا يؤثر فيه ولا يخترق جسمه ولكن رصاصات العلفي واللقية والهندوانة كانت قد مزقت جسده وإن لم تصب منه مقتلا لأنها كانت في الظلام فقد انطفأت الكهرباء أثناء إطلاق النار وكان الثلاثة الأبطال قد فروا بعد إطلاق النار عليه معتقدين أنهم أجهزوا عليه ولكن حرس الإمام قام بإسعافه وأعيدت له الحياة بعد أن كان مرمياٍ على الأرض مضرجاٍ بدمائه ثم انتشرت جميع عناصر الإمام للبحث عن الثلاثة الأبطال أما الشهيد محمد العلفي فعندما عرف أن الإمام لم يمت قام بقتل الشخص الذي أْرْسل للقبض عليه ثم أطلق الرصاص على نفسه فور ذلك أما الشهيدان اللقية والهندوانة فقد ألقي القبض عليهما وتعرضا لأشد أنواع التعذيب والإرهاب بقصد إنتزاع اعترافات منهم عن بقية العناصر المرتبطة معهم ولكنهما تجلدا ولم يدليا باسم أي شخص .
ثورة 1962م
في 19 سبتمبر عام 1962م توفي الامام أحمد وخلفه ابنه الإمام البدر وأقر الثوار استغلال الفرصة للقيام بالثورة فقام العقيد عبدالله السلال بإعلان حالة التأهب القصوى في الكلية الحربية بصنعاء وفتح مستودعات الأسلحة وتوزيعها على كل الضباط والجنود وفي مساء 25 سبتمبر1962م اجتمع السلال بالقادة المعروفين في الحركة القومية اليمنية والضباط الذين تعاطفوا معها أو شاركوا في محاولة انقلاب الثلايا عام 1955م وكان كل ضابط وكل خلية بانتظار تلقي الأوامر وبدء التحرك بمجرد بدء قصف قصر الإمام البدر وتضمنت الأماكن الهامة التي يجب تأمينها قصر البشائر (قصر الامام) وقصر الوصول (قصر استقبال الشخصيات الهامة) والإذاعة والاتصالات التليفونية وقصر السلاح (مخزن السلاح الرئيسي) ومقرات الأمن الداخلي والمخابرات.. وتم تنفيذ الثورة بواسطة 13 دبابة من اللواء بدر و6 عربات مصفحة ومدفعين متحركين ومدفعين مضادين للطائرات .. وكانت الكلية الحربية هي مقر القيادة والسيطرة على القوات التي تقوم بالثورة.. وتوجهت وحدة من الضباط الثوريين مصحوبة بالدبابات إلى قصر البشائر وقاموا باستخدام مكبرات الصوت لدعوة الحرس الملكي للتضامن القبلي وتسليم الإمام البدر الذي تقرر إرساله للمنفى بسلام ولكن الحرس الملكي رفض الاستسلام وفتح النار على وحدة الضباط مما دفع الثوار إلى الرد بقذائف المدافع والدبابات .. واستمرت معركة القصر حتى استسلم الحرس الملكي في صباح اليوم التالي يوم 26 سبتمبر 1962م وكانت الإذاعة قد سقطت منذ البداية بعد مقتل ضابط ملكي واحد وانهيار المقاومة أما مخزن السلاح فقد تمت السيطرة عليه وتأمين البنادق والمدفعية والذخيرة كما سقطت الاتصالات التلفونية أيضاٍ بدون أية مقاومة وفي قصر الوصول ظلت وحدات الثوار آمنة تحت ستار حماية وتأمين الدبلوماسيين والشخصيات الهامة التي جاءت لتبارك لولي العهد الجديد.
وفي صباح 26 سبتمبر 1962م تم تأمين كل المناطق في صنعاء وأعلنت الإذاعة أنه قد تمت الإطاحة بالإمام البدر وحلت محله حكومة جمهورية جديدة ثم بدأت الوحدات الثورية في مدن تعز وحجة وميناء الحديدة تأمين السفن والمطارات ومنشآت الميناء وكان عهد الإمام أحمد عهد معارضة وثورات وقد تعرض الإمام إلى 12 محاولة اغتيال منها محاولة فاشلة لاغتياله وهو على فراش الموت. وما كانت الثورة التي قام بها الضباط عبد الله السلال وعبد الرحمن البيضاني والدكتور محسن العيني إلا تركيز النشاطات الثورية في جهد منظم واحد للإطاحة بحكم الإمام وقد كان قائد المجموعة السلال متأثراٍ بقراءاته عن الثورة الفرنسية وكتاب عبد الناصر (فلسفة الثورة).
رموز الثورة
وقد شهدت الثورة اليمنية تقديم قوافل من الشهداء الذين قدموا أرواحهم رخيصة فداء لحرية وكرامة الوطن وحريته واستقلاله وتخليصه من براثين الحكم الإمامي الكهنوتي المستبد والاستعمار البغيض ومن رموز الثورة كثير من الشباب الثوار الأحرار منهم المناضل عبدالرقيب عبدالوهاب الذي كان أحد الضباط القادة بمدرسة الصاعقة وحسن علي سليمان ومحمد الرحيتي وأحمد صالح البيضاني وأحمد السنحاني والملازم حسن محمد أنعم ودرهم نعمان ودرهم عبدالرحمن والشهيد الطيار الديلمي الذي تعرضت طائرته لنيران الملكيين والمناضل حسن العمري القائد العام للقوات المسلحة والمناضل عباس العماد قائد كتيبة المدفعية أثناء حصار صنعاء والشهيد جازم عبدالرؤوف الذي استشهد بقذيفة مدفعية قصمت رأسه إلى نصفين خلال حصار صنعاء.
ومن أبرز رموز الثورة المقدم الشهيد أحمد يحيى الثلايا الذي كان قائداٍ للجيش في عهد الإمام أحمد حميد الدين وهو القائد المدبر لحركة 1955م للإطاحة بحكم الإمام أحمد والتي باءت بالفشل ولم تستمر أكثر من 10 أيام كانت نهايتها إعدام الشهيد الثلايا وقادة الانقلاب وهو قائل العبارة المشهورة (قبحت من شعب أردت لك الحياة وأردت لي الموت).. وينتمي الشهيد الثلايا إلى قرية بيت الثلايا من منطقة الأهنوم بحجة سابقا عمران حاليا وهو من مواليد 1916م وتلقى تعليمه الأساسي في اليمن ثم ابتعث للدراسة العسكرية عام 1936م في العراق سافر إلى القاهرة بعد تخرجه والتقى هناك بعدد من الثوار المناضلين وتأثر بهم وبعد عودته عين قائدا لمفرز صعدة قبل ثورة 1948م وبعد فشل ثورة 48م عين معلما للجيش النظامي في تعز ثم كان قائدا للجيش أثناء انقلاب 1955م.
ومن رجال الثورة الملازم عبدالله اللقية أحد أشهر الثوار في اليمن ضد الحكم الإمامي واسمه الكامل عبد الله محمد محسن صالح اللقية ولد عام 1933م في مدينة صنعاء حي العلمي درس على يد القاضي محمد بن إسماعيل العمراني ثم التحق بمدرسة الأيتام ثم بعد ذلك التحق بالمدرسة المتوسطة ثم المدرسة الثانوية وقد سجن وعْذب بعد فشل ثورة الدستور 1948م وبعد خروجه منه تم فصله من الجيش وعمل في المستشفى العسكري بعد نيل شهادة تمريض من مدينة تعز ثم حاول العودة إلى الجيش فنجح في ذلك بمساعدة صديق دربه الشهيد الثلايا وسجن بعد فشل حركة 1955م وبعد أن خرج من السجن دخل مدرسة الأسلحة عام 1959م وتخرج منها حيث كان ترتيبه الأول واستشهد في 20 سبتمبر 1962م.
ومن أبرز الثوار الأحرار الشهيد علي عبد المغني من مواليد عام 1937م في قرية بيت الرداعي مديرية السدة محافظة إب والذي فقد أمه وهو في المهد وفقد والده وهو في السابعة من عمره وتلقى تعليمه في مكتب تبعان وختم القرآن الكريم وهو في السابعة قبل وفاة والده بأشهر وفي عام 1946م انتقل إلى صنعاء لمواصلة دراسته.. وفي صنعاء ذهب إلى منزل حسين الكبسي في بستان السلطان لمساعدته بدخوله مكتب الأيتام الذي رحب به وضمه في بيته واعتبره كأحد أولاده وبعد أيام الحقه بمكتب الأيتام وقررت لجنة الاختبارات في مكتب الأيتام أن يدخل علي عبد المغني الصف الرابع حسب مستواه وواصل دراسته بتفوق وفي ثورة 48م وولي العهد أحمد قد وصل حجة ومعظم القبائل تجتمع معه وقد بدأت بالزحف على صنعاء ذهب علي عبد المغني إلى منزل حسين الكبسي أحد رموز هذه الثورة فوجد عنده في المنزل الرئيس جمال جميل العراقي قائد الثورة الذي كان دائماٍ معجباٍ بذكاء علي عبد المغني فما أن وصل وسلم عليهما حتى دعاه الرئيس جمال جميل وأجلسه بجانبه وسأله فيما تكون السعادة¿ فأجابه علي عبد المغني بسرعة وبدون تردد :السعادة تكون في الحرية فضمه جمال جميل إلى صدره وقال وهو ينظر إليه بتأمل كبير : لو فشلت ثورتنا لا سمح الله فهذا الشبل هو الذي سيسحقهم ويكمل ما بدأناه.. وأكمل دراسته في مكتب الأيتام وانتقل إلى المدرسة المتوسطة حيث درس فيها ثلاث سنوات بتفوق وانتقل بعدها إلى الثانوية وكان نظام الدراسة في المدرسة الثانوية أربع سنوات.. وفي سنة ثالث ثانوي توفي مدير المدرسة وأجمع المدرسون والطلبة ان يقوم علي عبد المغني بأعمال مدير المدرسة لأنه كان رئيس المدرسة الثانوية والمتصرف بشؤون الطلبة ووافقت وزارة المعارف (التربية والتعليم) على ذلك وفي السنة الرابعة دمجت المدرسة التحضيرية مع المدرسة الثانوية وتعين علي عبد الكريم الفضيل مدير التحضيرية سابقاٍ مديراٍ للمدرسة الثانوية بعد الدمج وتخرج علي عبد المغني من المدرسة الثانوية في ذلك العام وكان الأول بامتياز كما هو شأنه في مراحل دراسته من مكتب الأيتام والمتوسطة والثانوية وهو الأول بامتياز كل سنة.. وأقامت وزارة المعارف حفل تخرج وألقى علي عبد المغني كلمة الخريجين واعجب الحاضرون ببلاغة كلامه وفصاحة لسانه وعند توزيع الجوائز تسلم جائزته وشهادته وأعطاه ولي العهد البدر قلمه الذهبي وأعطاه وزير المعارف الحسن بن علي ساعة يد ذهب وعينه سكرتيره الخاص بالوزارة.
وفي 1957م فتحت الكلية الحربية باب القبول لأول دفعة باليمن تنتخب من بين طلاب المدارس العلمية والثانوية والمتوسطة وتقدم لها مجموعة من بينهم محمد مطهر زيد وهذه الدفعة هي المعروفة باسم دفعة محمد مطهر ولم يتقدم علي عبد المغني فقد كان يأمل أن يحصل على منحة دراسية إلى الخارج وفي العام الثاني 1958م فتحت الكلية الحربية باب القبول لدفعة ثانية وتقدم علي عبد المغني للالتحاق بالكلية الحربية ضمن الدفعة الثانية المعروفة الآن باسم دفعة علي عبدالمغني وتخرج وحصل على الأول بامتياز وأقامت الكلية الحربية حفل التخرج وألقى كلمة الخريجين وعند تسليم الجوائز والشهادات لأوائل الخريجين قام ولي العهد البدر بتسليم علي عبد المغني جائزته وشهادته وأعطاه قلمه الخاص وهو قلم من الذهب وهذا القلم هو الذي صاغ به علي عبد المغني أهداف الثورة

.
وبعد التخرج من الكلية الحربية التحق بمدرسة الأسلحة والتحق معه بهذه المدرسة خيرة الضباط من خريجي الحربية والطيران والشرطة منهم زميله ورفيق دربه محمد مطهر زيد ناجي الأشول حمود بيدر عبد الله عبد السلام صبرة احمد الرحومي وصالح الأشول وسعد الأشول وعلي علي الحيمي وعبده قائد الكهالي وأحمد مطهر زيد وأحمد الكبسي وغيرهم وعند التخرج من مدرسة الأسلحة كان علي عبد المغني الأول بامتياز والثاني محمد مطهر.
وعاش علي عبد المغني مهموماٍ بهم الوطن يبحث عن حريته واستقلاله وهو طالب في المدرسة الثانوية وكان يسكن في غرفة صغيرة اسماها الكوخ كان يلتقي مع المثقفين والمشائخ والعلماء والطلبة وكان يحدثهم عن عظماء الرجال في العالم وما صنعوا من معجزات وكيف حرروا شعوبهم. وينوه دائماٍ بظلم الإمامة في بلادنا وكان يقول: لولا الإمامة ما بقي المستعمر البريطاني في جنوب الوطن.. وفي عام 1956م عندما تعرضت مصر للعدوان الثلاثي نظم علي عبد المغني مظاهرة طلابية مهيبة هزت عرش الإمامة وكانت أول مظاهرة وسجن في (الرادع) مع مجموعة من زملائه الطلبة وبعد تخرجه من الكلية الحربية ومدرسة الأسلحة بدأ مشواره للإعداد للثورة ونظم تنظيم الضباط الأحرار وتواصل مع العلماء والمثقفين والمشائخ وكل الأحرار داخل اليمن وخارجها وفي شهر يوليو 1962م التقى بالزعيم جمال عبدالناصر على متن باخرة مصرية في البحر الأحمر بشرم الشيخ حيث تم سفره إلى هناك على ظهر الباخرة اليمنية مارب التي كان قبطانها الرائد محمد علي عبدالمغني وكان ركوبه عليها من المخا وقد رتب له لهذه الزيارة محمد عبد الواحد القائم بأعمال السفارة المصرية بصنعاء حينذاك.. وحصل على وعود من الزعيم جمال عبدالناصر للدعم ونصر الثورة اليمنية وبعد عودته من مصر نظم مظاهرة الطلبة في كل من صنعاء وتعز والحديدة في شهرأغسطس 1962م لأنه أدرك أن هذه المظاهرة هي الجرس الذي سيجعل جميع اليمنيين يصحون من نومهم وإذا صحا الشعب من نومه فهو القادر والمتكفل بحماية الثورة خاصة وأن هؤلاء الطلبة ينتمون إلى كل المناطق اليمنية.
وفي ليلة الثورة السبتمبرية اجتمع مع مشائخ اليمن الذين وصلوا صنعاء لمبايعة الإمام وأشركهم مع الضباط في تفجير الثورة وقاد الثورة ليلة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م بحكمة ووضع خطة الثورة بدقة وصاغ أهداف الثورة وبيانات الثورة وقد كتب أهداف الثورة باسم الجمهورية اليمنية.
وبعد أيام من قيام الثورة والجمهورية كْلف بقيادة حملة عسكرية إلى منطقة حريب في مارب لمواجهة الحشود الملكية التي بدأت تستعد لإعلان الحسن بن يحيى حميد الدين إمامٍا بمساعدة خارجية وقد استشهد علي عبد المغني في هذه المعركة وكان ذلك في أكتوبر 1962م.
ومن شهداء الثورة الشهيد علي ناصر مسعد القردعي شيخ قبلي وشاعر وأحد قادة ثورة الدستور عام 1948م وقد تمكن القردعي من اغتيال الإمام يحيى حميد الدين في 17 فبراير 1948م في كمين نصبه في منطقة حزيز جنوب صنعاء بطلقة نارية أردت الإمام قتيلا وقطع أنف القردعي خلال اشتباكه مع نمر عربي في قصة ذاع صيتها بين القبائل في اليمن.
ويعتقد أن الشيخ ولد عام 1885م ولكونه ولد في بيئة قبلية بدوية فلم يتلق تعليما نظاميا للطبيعة البدوية التي كانت تسيطر على مختلف جوانب قبائل محافظة مارب بشكل عام ونصب علي ناصر القردعي شيخاٍ لمشائخ مراد عام 1925م.
وقد اجتمع القردعي بعدد من المطالبين بالإصلاح في صنعاء كان من بينهم إبراهيم حميد الدين نجل الإمام يحيى و الذي كان معارضا لسياسة أبيه ومؤيدا لحركات الإصلاح وتوصل الاجتماع بضرورة التخلص من الإمام يحيى حميد الدين وطلب القردعي فتوى تبيح قتله ودعمها قبليا حتى إذا ما أراد أبناء الإمام الانتقام لا يقع الحمل كله على قبيلته مراد بل القبائل كلها ونصب القردعي كمينا للإمام في منطقة حزيز جنوب صنعاء حيث أحد إقطاعيات الإمام ووزع رفاقه على سفوح الجبال المحاذية لحزيز ووضع القردعي رفاقه حجارة في الطريق , فخرج حرس الإمام من السيارة لإزالتها فأطلق رفاق القردعي النار عليهم واقتنص القردعي رأس الإمام فخر صريعاٍ.. وقام الإمام أحمد حميد الدين بثورة مضادة مؤيدة بدعم عدد من القبائل الموالية له استطاعت إفشال الثورة و قتل رموزها وكان منهم الشيخ علي ناصر والذي قتل في مديرية خولان هو وأصحابه وأرسل رأسه إلى الإمام أحمد في صنعاء وظل معلقا على باب اليمن قرابة الشهرين.
ومن أوائل الثوار مطيع بن عبد الله دماج الذي يعتبر أول الثائرين ضد الحكم الإمامي الكهنوتي في اليمن وأحد رواد التجديد الفكري المعاصر.. وقد ولد دماج في قرية النقيلين بإب عام 1909م.
وفي عام 1958م شْكلت اللجنة التأسيسية للأحرار في تعز التي كان المناضل مطيع دماج أحد أعضائها وشملت كلاٍ من عبد الغني مطهر, الشيخ قاسم حسين أبو رأس, الشيخ زيد مهفل, الشيخ مطيع بن عبد الله دماج, الشيخ إبراهيم حاميم, الشيخ ناشر عبدالرحمن العريقي, الشيخ حسين بن ناصر مبخوت, الملازم محمد مفرح, عبدالقادر الخطري, علي حمود الحرازي, حمود سلامة, وعبدالله ناجي.. وتوفي مطيع دماج في تعز عام 1971م.. وهو والد الكاتب الروائي اليمني الكبير زيد مطيع دماج والشاعر أحمد مطيع دماج.
ومن المناضلين الأبطال عبد الغني مطهر الذي كان واحداٍ من أبرز الثورة الذين ضحوا بحياتهم وأموالهم في سبيل تحرير اليمن من الظلم الإمامي وكان المخطط ورسول الثورة إلى الرئيس جمال عبد الناصر وفي عام 1958م شْكلت اللجنة التأسيسية للأحرار في تعز التي كان المناضل عبدالغني مطهر أحد أعضائها كما كان المناضل عبدالغني مطهر على رأس تنظيم التجار الأحرار والذي ضم مناضلين من أمثال الشيخ علي محمد سعيد والشيخ عبدالقوي حاميم والأستاذ أحمد ناجي العْديني وآخرين.. وقد حصل على العديد من المناصب من أهمها عضو مجلس قيادة الثورة.. وكان أول محافظ لمدينة تعز خلال عهد الرئيس الراحل عبد الله السلال.
ومن رجال الثورة الأديب والشاعر الراحل أبو الأحرار محمد محمود الزبيري والذي ولد سنة 1910م في حي بستان السلطان بمدينة صنعاء.. وقبل نشوب الحرب العالمية الثانية انتقل إلى مصر ليتم دراسته فالتحق بدار العلوم حصن اللغة العربية وقبل أن يتم دراسته فيها عاد إلى اليمن عام 0491م وكانت الأوضاع فيها متردية حيث استشرى فيها الفقر والمرض.
وقد أسس الزبيري وبعض رفاقه في القاهرة أول حركة منظمة لمعارضة الحكم الإمامي في اليمن في سبتمبر عام 1940م تحت اسم (كتيبة الشباب اليمني) وفي سنة 1942م قطع الزبيري دراسته عائدا إلى اليمن التي رأى أنها تستحق منه مجهودا كبيرا لإنقاذ البلاد من الأوضاع المتردية والمأساوية التي كانت تكتنف اليمن آنذاك تحت حكم الأئمة من أسرة حميد الدين وعند قدومه إلى اليمن قدم مذكرة للإمام المتوكل يحيى حميد الدين تتضمن مشروعا لإنشاء جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما ألقى خطبة في الجامع الكبير بصنعاء وهو ما أغضب الإمام يحيى فكان جزاؤه السجن مع عدد من شباب اليمن الأحرار في سجن الأهنوم حيث انصرف للصلاة وتلاوة القرآن والذكر والتأمل وكتابة الشعر.
وعند خروجه من السجن الذي ظل فيه تسعة أشهر صور الزبيري ذلك الخروج قائلا:
خرجنا من السجن شم الأنوف ..
كما تخرج الأْسد من غابها
نمر على شفرات السيوف ..
ونأتي المنية من بابــــها
ستعلم أمتنا أننا .
. ركبنا المـنايا حناناٍ بـــــها
فإن نحن عشنا فيا طالما ..
تذل الصعاب لركابـــــها
وإن نحن متنا فيا حبذا
.. المنايا تجيء لخطابهــــا
ولم يجد الزبيري بْدٍا من الالتفاف حول ولي العهد أحمد نجل الإمام يحيى مع كثير من المثقفين الذين رأوا فيه أملا منقذا لهم لكنهم سرعان ما أدركوا وِهúم ما هم فيه فارون إلى عدن التي كانت متنفسا للأحرار وفي عدن بدأت مرحلة جديدة في الكفاح والنضال حيث أسس الزبيري مع رفيق كفاحه أحمد محمد نعمان حزب الأحرار سنة 1944م الذي تحول اسمه إلى (الجمعية اليمانية الكبرى) عام 1946م وأصدر صحيفة (صوت اليمن) واستمر الكفاح حتى قيام ثورة 1948م حيث قتل الإمام يحيى حميد الدين ونصب عبد الله الوزير إماما جديدا لحكم دستوري شرعي ولكن الثورة سرعان ما فشلت فغادر الزبيري اليمن وذهب إلى باكستان وما كاد الزبيري يسمع بقيام ثورة يوليو 1952م بمصر إلا وقرر الرحيل إليها حيث بدأ نشاطه مع رفيقه النعمان بتجميع صفوف الطلاب اليمنيين وامتد نشاطه إلى اليمنيين في السودان على الرغم من المضايقات التي تعرض لها من قبل النظام المصري وكان الزبيري يلقي القصائد من خلال إذاعة صوت العرب التي كان له دور في تأسيسها وكان لأحاديثه وقصائده دور كبير في إنقاذ الأحرار داخل المملكة المتوكلية من الإحباط واليأس وعدم إمكانية التغيير خصوصا بعد سقوط ثورة 1948م.. وحين قامت ثورة 26 سبتمبر عام 1962م التي أطاحت بالحكم الإمامي استدعى الضباط الثوار الزبيري فعاد الزبيري إلى صنعاء وأْعد له استقبالاٍ مهيباٍ لم تحظِ شخصية جماهيرية بمثله وعين وزيرا للمعارف في حكومة الثورة ثم نائبا لرئيس الوزراء وعضوا في مجلس الثورة حتى استقال عام 1964م حيث إن التدخلات الخارجية أدخلت اليمن في حرب أهلية فسارع الزبيري لإصلاح ذات البين بين القبائل واشترك في مؤتمرات الصلح بين اليمنيين في كرش وعمران كما تولى رئاسة مؤتمر “أركويت” بالسودان عام 1964م.
وقد تبين لأبي الأحرار أنه ينفخ في رماد وأنه لا بد من حماية الثورة من خصومها وأصحابها على السواء فخرج من صنعاء صبيحة إعلان حالة الطوارئ في البلاد وإعلان الأحكام العسكرية وكان يقول بأنهم بهذه القوانين يجيزون قتله.
وصل الزبيري إلى برط ومن هناك وجه رسالته إلى شعب اليمن ثم بدأ بدعوة القبائل إلى لم الشمل وكانت دعوته عامة للملكيين والجمهوريين وطالته رصاصات الغدر في إحدى تنقلاته فخر شهيدا أول إبريل سنة 1965م.
والتعليم .. حجر الزاوية
لم يكن هناك اهتمام كبير بالتعليم في عهد الحكم الإمامي البغيض حيث كان يخشى الإمام يحيى حميد الدين من التأثير الخارجي على اليمن فأسس في عهده المدرسة العلمية أو كلية دار العلوم في 1925م في ما يعرف اليوم بميدان التحرير بصنعاء لكنها اقتصرت على ذوي المراكز الاجتماعية العليا وكانت تشبه في مستواها جامعة الأزهر في القاهرة وفي نفس العام أنشأ الإمام أيضا مدرسة أو مكتب دار الأيتام بصنعاء وتماثل في مستواها المدارس الابتدائية حالياٍ.
وفي الشطر الجنوبي من الوطن كانت بعض المدن مثل سيئون وتريم وغيل باوزير قد لعبت دوراٍ متميزاٍ في نشر العلم والمعرفة ممثلة فيما يعرف بالرباط وهو مؤسسة تعليمية للتزويد بعلوم في العقيدة والشريعة الإسلامية واللغة العربية أما في عدن فقد انتشر فيها التعليم الحر أو ما كان يعرف بالكتاتيب حيث يقوم بها معلمون دون خضوعها لرقابة حكومية خاصة وأن الاحتلال البريطاني كان قد عزل مدينة عدن حتى عن الحركة التعليمية واقتصر التعليم طوال فترة الاحتلال على بضعة مدارس وكليات كان أبرزها كلية أبناء المشائخ عام 1937م وكلية عدن (ثانوية عدن حالياٍ) عام 1956م.
وبالتالي فقد كانت بداية الثورة تعليمية من خلال التحصيل العلمي في المدارس المتوفرة حينها وابتعاث مجموعة من الطلاب للدراسة في الخارج وأغلبهم تلقوا تعليمهم في مصر والبعض الآخر في العراق وسوريا كما هو الحال بالنسبة للشهيد الزبيري والشهيد الثلايا وعلي عبدالمغني ومطيع دماج وغيرهم من الثوار الأبطال الذين أصروا على الدراسة والتحصيل العلمي وعادوا بحصيلة وافرة من المعرفة ليتمكنوا من خدمة وطنهم وانتشاله من براثين الجهل والتخلف والمرض والمساهمة الفاعلة في قيام الثورة الخالدة التي أنهت الحكم الإمامي البغيض والاستعمار البريطاني المستبد.
انتهج الحكم الإمامي والاستعمار السلاطيني المستبد سياسة الظلم والقهر والتعسف في محاولة منه لتحطيم الإرادة اليمنية الصلبة وتبديد الآمال التي تنشد الحرية والحياة بكرامة وعزة وتكوين مجتمع تسوده العدالة والمساواة ويحكمه النظام والقانون وليس سياسة الغاب وأمراض الأئمة والسلاطين الذين اعتقدوا أنهم يمتلكون مفاتيح الحل والعقد .. وباتت مصائر الشعوب معلقة بنزواتهم ورغباتهم المقيتة في رسم المستقبل الذي يريدونه للشعوب التي أرادوا لها الخنوع والإذلال حتى تستقيم لهم أمور الحكم .. وتكون إرادة الحاكم هي النافذة دون الأخذ بعين الاعتبار بما يعانيه الشعب في ظل سياسة التجهيل المتعمد والإقصاء القسري لهويته والمصادرة لحقه في الرأي والتعبير.
لم تنجح سياسة القمع وأنواع التعسف والاضطهاد التي اتبعها حكم آل حميد الدين والمستعمر البريطاني في كبح جماح الشعب اليمني الذي عرفه التاريخ القديم والمعاصر ينشد رسالة المحبة والسلام ويجسد الشورى في حياته الاجتماعية والسياسية فكيف به يرضى بالحكم الفردي المستبد والخنوع لإملاءات من اغتصبوا السلطة ونصبوا أنفسهم ولاة على أمور غيرهم دون وجه حق.

قد يعجبك ايضا